سوريا اليوم

مراسل صقور الأبداع من سوريا

سكانها بين نهري الفرات ودجلة يتوقعون حربا بين فصائل الثوار

&#00

الرقة: ليز سلاي *
في الوقت الذي بدأت الحكومة السورية تفقد فيه سيطرتها على هذه المنطقة النائية من شمال شرقي البلاد، أعرب الكثير من السوريين عن مخاوفهم من وقوع حرب بين المقاتلين المعتدلين، الذين حملوا السلاح أولا ضد الحكومة، والإسلاميين المتشددين الإسلاميين، الذين برزوا على الساحة في وقت لاحق لمساعدة الثوار بقوتهم وعتادهم.


وعزز الاستيلاء على الرقة، أول مركز لمحافظة تسيطر عليها قوات المعارضة، في مارس (آذار) الماضي من مكاسب مجموعات متنوعة ذات توجهات إسلامية في أغلبها، في محافظات الشمال الشرقي الثلاث وهي إضافة إلى الرقة دير الزور والحسكة. ولا تزال القوات الموالية للرئيس الأسد تسيطر على عدد من القواعد الصغيرة المتناثرة التي يمكن طردها منها في أي وقت.

ويتمحور التوتر بين مجموعات المقاتلين حول قضايا أهمها الآيديولوجية، وشكل سوريا ما بعد الأسد، وإدارة الموارد الحيوية المتركزة في هذا الجانب من البلاد.

وتوقع أبو منصور، قائد في لواء الفاروق التابع لقوات الجيش السوري الحر، الذي واجه رجاله بعض متطرفي جبهة النصرة في بلدة تل أبياد الحدودية، تحول التوتر الحالي إلى عنف، بالقول: «سيقع القتال لا محالة، إن لم يكن اليوم، فسوف يكون غدا». وتأتي جبهة النصرة، التي صنفتها الولايات المتحدة كجماعة إرهابية بسبب الشكوك في علاقتها بالقاعدة، بين الكثير من المجموعات التي تحقق تقدما في المنطقة، لكنها تبرز كأكثرها إثارة للخلاف وامتلاكا للقوة. فقد أعلنت دولة العراق الإسلامية التي تنتمي إلى القاعدة عن اندماجها رسميا مع جبهة النصرة تحت اسم «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام».

وتشكل محافظات الرقة ودير الزور والحسكة ما كان يعرف قديما باسم «منطقة الجزيرة»، لموقعها بين نهري دجلة والفرات – حيث تكمن غالبية الثروات الاقتصادية لسوريا، بما في ذلك حقول النفط واحتياطيات الغاز والقسم الأكبر من الزراعة، وبالأخص القطن والقمح.

وتمتد «الجزيرة» إلى محافظات نينوى والأنبار غرب العراق، حيث تضرب الجماعات المرتبطة بالقاعدة بجذورها في هذه المنطقة. وتنتشر الروابط القبلية والعائلية عبر الحدود، وتتردد هناك أصداء تعقيدات الصراع الذي احتدم في العراق في العقد الماضي، عندما تحول الكثير من رجال القبائل السنية الذين حاربوا في البداية ضد القوات الأميركية ولاءاتهم وقاتلوا ضد القاعدة.

ويقول نواف البشير، وهو شيخ عشيرة وأحد قادة الثوار الأكثر اعتدالا، إن اختيار جبهة النصرة لتركيز جهودها في هذه المنطقة لم يأت من قبيل الصدفة، مضيفا أن الجبهة سيطرت على ما يقرب من 90 في المائة من آبار النفط في سوريا، وصوامع الحبوب ومخازن القطن، وشرعت في بيع المخزون لجمع الأموال.

وتدور شائعات حول رغبة القبائل في تشكيل قوات صحوة، على غرار الميليشيات التي تشكلت في العراق والتي أشرفت عليها الولايات المتحدة للقضاء على القاعدة في العراق. لكن السواد الأعظم من السوريين يقولون إنهم لا يريدون القتال حتى مع اعترافهم بتزايد الشقاق بين الفصائل، فيقول حميد العطالله، المتحدة باسم جبهة الجزيرة والفرات، تحالف شكلته كتائب الثوار لمواجهة نفوذ الأصوليين: «الكل يعلم ما حدث في العراق، ونحن نود تجنب ذلك».

وأضاف المتحدث: «انطلقت الثورة السورية للمطالبة بالديمقراطية، وجبهة النصرة لا تقاتل من أجل الديمقراطية، لكنهم سوريون ونحن لا نريد أي صدام معهم».

أما في مدينة الرقة الزراعية، الواقعة على ضفاف نهر الفرات، فسبب نجاح جبهة النصرة كان واضحا، وكذلك التحديات التي تواجه الجماعة، إذ قادت جماعة «أحرار الشام» السورية القتال هنا، وما لبثت جبهة النصرة أن انضمت إليها في وقت لاحق. لكنهم لعبوا دورا كبيرا في تأمين البنية التحتية للمدينة والشركات والمتاجر من النهب، وفي منع الخارجين عن القانون وهو ما أثار الاستياء تجاه الجيش السوري الحر في مناطق أخرى.

ويدير لواء أمناء الرقة، التابع لحركة أحرار الشام، مركز قيادة مشترك مع جهة النصرة في ملعب المدينة الرياضي. ويصف قائد اللواء، أبو طايف، وهو رجل أعمال من ضاحية ريفية، أنه شخص معتدل، معبرا عن رغبته في أن تصبح سوريا بلدا ديمقراطيا على غرار ماليزيا وتركيا. لكنه دافع بشدة عن دور جبهة النصرة في الثورة، قائلا، إنه «إذا كانت أسهم المتطرفين في ازدياد فذلك لأن أميركا لم تقدم لنا شيئا، وإذا ما استمرت الثورة فترة أطول وأحجم العالم عن مساعدتنا فسوف انضم إلى جبهة النصرة».

يشار إلى أن الرقة لم يلحق بها الكثير من الدمار على غرار أجزاء أخرى من البلاد، بحكم تاريخها القصير مع المعارضة، لكن السكان، الذين يعترفون بدعمهم لحكومة الأسد حتى وقت قريب بدلوا ولاءاتهم بسلاسة إلى جبهة النصرة. يقول ميزا حسين، 37 عاما، وهو تاجر يبع ملابس الزفاف ويتبرع بالمال لأحد فصائل الجبهة: «كنا خائفين للغاية من جبهة النصرة لأن الإعلام الرسمي كان يقول إنهم إرهابيون، لكن ذلك ليس صحيحا، إنهم أشخاص طيبون. أنا لا أقوى على القتال لكني أود أن أكون جزءا منهم لأني أريد المساواة والحق». وأضاف أحد الجالسين معه بصوت خافت: «نحن نريد تجنب العنف».

لكن جهود جبهة النصرة لمنع السجائر لحرمتها لم تفلح، كما لم تؤت جهودهم في إجبار النساء على ارتداء الحجاب بثمارها، حتى في المناطق المعروفة بعاداتها المحافظة. ويقول وائل فؤاد، 27 عاما، يبيع المستلزمات الزراعية: «كما ترى نحن أحرار، وها نحن ندخن».

وتقول حنين مطر، 28 عاما، معلمة مرت بجانبنا دون غطاء للرأس وقالت، إنها شاركت في المظاهرات ضد الأسد: «لا أحد يجبرنا على القيام بشيء معين، ولن يجبرونا، فقد حاربنا من أجل الحرية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى