سوريا اليوم

مراسل صقور الأبداع من سوريا

فايز سارة : المستقبل&#00

لم يكن من شأن استمرار الآلة العسكرية الامنية في عمليات القمع الواسعة ضد السوريين، الا ان تواجه برد عنيف بدأ مع لجوء اعداد من السوريين الى السلاح، املاً في لجم قوة قمع النظام وردعها وفي الاقل من ذلك “حماية المتظاهرين” و”تعزيز الانشطة السلمية” وهي الشعارات التي ولدت تحتها اولى التشكيلات المسلحة للمتطوعين المدنيين في المدن والقرى التي انخرطت في انشطة الثورة المبكرة، ثم طرأ بعد حزيران من العام 2011 تطور اخر في موضوع التشكيلات المسلحة، جاءت بعد الانشقاقات التي اخذت تتزايد في صفوف العسكريين والامنيين عن آلة النظام ومؤسساته، حيث اتجه بعض المنشقين العسكريين الاوائل الى تشكيل جماعات من المنشقين الذين كان بعضهم يلتحق بالمتطوعين المدنيين، وهكذا ظهرت التشكيلات الاولى من تنظيم الضباط الاحرار الذي اعلنه المقدم حسين الهرموش، ثم جرى تشكيل الجيش السوري الحر الذي تولى قيادته العقيد رياض الاسعد.
وبصورة عامة فان هذا النوع من التشكيلات العسكرية شبه العفوية، كانت تشكيلات بسيطة في اعدادها ومعداتها وفي تنظيمها وفي اساليبها القتالية، وكلها سمات تتصل بطبيعة تلك التشكيلات، وظروف ولادتها، باعتبارها جاءت على عجل ودون ترتيب مسبق وفي سياق رد على الهجمات الدموية لآلة النظام على التجمعات السورية.
ان الحاجة للدفاع عن النفس وحماية الحق في التظاهر والانشطة السلمية، كانت الاساس الذي انطلقت منه ولادة التشكيلات المسلحة المناهضة للنظام في طابعها البسيط والعفوي على نحو عام، غير ان عوامل اخرى، اخذت تتدخل وتؤثر في توليد المزيد من التشكيلات المسلحة، وابرز العوامل المؤثرة في ولادة واستمرار التشكيلات المسلحة ثلاثة، اولها تدخلات النظام واجهزته، والثاني ناتج تدخلات المعارضة باطرافها، والثالث تمثله التدخلات الاقليمية والدولية سواء كانت جماعات وتنظيمات او حكومات في مستوى الاقليم.
لقد عمل النظام واجهزته على خلق وتطوير تشكيلات مسلحة في اطار اهدافه في مواجهة الحراك الشعبي وفعالياته من جهة ومن اجل دفع معارضيه في الحراك والمعارضة السياسية للدخول معه في معركة مسلحة، وهو المجال الذي يوفر له غلبة مادية من جهة، ويجعل المعارضين متمردين على الدولة يستحقون العقاب امام الرأي العام، وليس ثائرين لهم مطالب وحقوق، يمكن ان تجد لها تأييدا ودعماً في اوساط الرأي العام الداخلي والخارجي وفي سياق هذه الاهداف، ولدت تشكيلات مسلحة اقامها النظام او ساهم في وجودها، واستمرارها مباشرة او بصورة غير مباشرة، وكان اولها، جماعات الشبيحة، التي تشكلت من مؤيدين وانصار للنظام، تحولوا الى مرتزقة في اطار تنظيمات محلية الطابع تديرها اجهزة امنية او عملاء لها من شخصيات ادارية او اقتصادية مقربة من رأس النظام او من شخصيات اساسية فيه، وقد تطور جزء من هذه التشكيلات، حيث ولدت منه تجربة جيش الدفاع الوطني التي اخذ ظهورها صفة رسمية عشية حلول الذكرى السنوية الثانية لانطلاقة الثورة السورية.
والتشكيل المسلح الثاني الذي اقيم اغلبه برعاية النظام تمثله عصابات مسلحة، قادتها وعناصرها من المجرمين الجنائيين، وقد اطلق النظام نحو ستين الفاً منهم مع بدايات الثورة، جزء منهم انخرط في اعمال الشبيحة وتنظيماتها، واخر ذهب نحو تشكيل عصابات تحت اشراف ضباط الامن ضمن توافق اساسه ربط العفو عنهم بانخراطهم في مقاومة الثورة والتصدي لكادرات وشخصيات فاعلة بالثورة والاعتداء عليها مع ضمان غض نظر رسمي عن اية انشطة جرمية، يمكن ان يقوم بها هؤلاء من اعمال قتل وخطف وسرقة واعمال مشينة اخرى، يمكن الصاقها بالجيش السوري الحر، ونشر اشاعات تربط بين الاعمال الاجرامية والجيش الحر والمتطوعين المدنيين.
ولعب النظام باجهزته دورا مهما في ظهور نوع ثالث من التشكيلات المسلحة، المنتمية الى الجماعات المتطرفة بما فيها “جماعات جهادية”. وليس من باب الاسرار، ان بعضاً من كادرات تلك الجماعات، اقترن بعلاقات خاصة مع ضباط في اجهزة الامن السورية في سنوات العقد الماضي، والتي كانت فيه سوريا بمثابة ممر لعناصر وكادرات الجماعات المتطرفة واسلحتها واموالها خصوصاً الذاهبة الى العراق للقتال هناك والقيام بعمليات ضد الوجود الاميركي وضد قوات النظام العراقي وحواضنه الاجتماعية والدينية، كما انه جرى بناء علاقات اخرى تم نسجها بين ضباط الامن السوري وعناصر متطرفة في خلال وجود تلك العناصر في المعتقلات وبخاصة في سجن صيدنايا العسكري، وادت العلاقات في الحالتين الى روابط مباشرة او غير مباشرة بين اجهزة النظام الامنية وجماعات في التطرف السوري الجديد، وهي حالة جرى تأكيدها في مستويات محلية وخارجية من قبل خبراء واجهزة استخبارات، خصوصا وان لدى النظام كثيرا من ضرورات قيام ووجود ونشاط هكذا تنظيمات من الناحيتين السياسية والدعائية.
والخط الثاني من التشكيلات المسلحة، كان استمرار وتطوير لفكرة التنظيمات المعارضة للنظام، التي بدأها المتطوعون في تنظيماتهم المحلية، ثم تابعها العسكريون المنشقون في اطار الجيش السوري الحر، وقد طرأت تحولات أكبر على هذا الخط في اواخر العام 2011، حيث اخذ يتزايد ظهور الالوية والكتائب التابعة للجيش الحر، التي تبنت خطاً وطنياً عاماً يسعى الى اسقاط النظام، واقامة دولة مدنية ديمقراطية، رغم ان الروابط البينية بين التشكيلات، كانت ضعيفة ومثلها كانت علاقات تلك التشكيلات مع الجيش الحر، لكن ذلك لم يمنع ولادة عشرات التشكيلات في المدن والقرى، التي اعلنت الانتماء للجيش الحر، ثم اخذ بعضها يعزل نفسه مع تحول باتجاه تنظيمات اسلامية الطابع، وهو تطور لم يكن بعيداً عن تدخلات جماعات وتنظيمات اسلامية بينها جماعة الاخوان المسلمين، التي شاع انها استخدمت امكاناتها المالية والمادية لدفع بعض تشكيلات المعارضة المسلحة الى اعتماد التوجهات والمظاهر الاسلامية، فدفعت اموالاً ووفرت سلاحاً وذخائر لربط بعض تلك التشكيلات بها من الناحية السياسية والتنظيمية، وثمة امثلة معروفة من الوية وكتائب كانت تنتمي الى الجيش الحر، ثم تحولت الى تشكيلات تتبع الجماعات الاسلامية ومنها الاخوان المسلمين.
والخط الثالث في قيام التشكيلات المسلحة في سوريا، كان نتيجة عوامل وتدخلات خارجية، وفي هذا الجانب يمكن ملاحظة تحركات وانشطة عناصر القاعدة واخواتها، التي اعلنت مراراً عن ذهاب كادرات وعناصر منها الى سوريا للمساهمة في القتال هناك، وهو امر يتطلب تنظيم تشكيلات مسلحة، وغالباً ما يشار الى جبهة النصرة في بلاد الشام وجماعات مماثلة باعتبارها امثلة على ما اقامه الجهاديون الوافدون، وسط شعارات تتقارب مع شعارات الجماعات الجهادية وخاصة في الهدف الرئيس وهو اقامة الدولة الاسلامية، التي ينفرد الاسلاميون برفعه، وقد استغلت الجماعات الجهادية جملة اوضاعها في البحبوحة المالية والتسليحية وفي دعم بعض حكومات المنطقة، وهياكل اهلية متطرفة، وسعت الى توسيع قاعدتها في قاعدة التشكيلات التابعة للجيش الحر فعملت على كسب الولاءات في مستوى تلك التشكيلات او في اجزاء وشخصيات منها مما اعطاها فرصة للتمدد داخل صفوف المعارضة المسلحة، وهو خط مماثل لما قامت به جماعات اسلامية اخرى في التعامل مع التشكيلات المنتمية للجيش الحر.
لقد خلق الاختلاف في عوامل نشوء وتطور التشكيلات المسلحة، فرصاً لتناقضها وصراعها بحكم اختلاف مرجعياتها. فالتشكيلات التي اقامها النظام أو دعمها، كان هدفها الحفاظ على النظام اساساً والوقوف ضد الثورة ومحاربتها في فعالياها وكادراتها، فيما اتجهت تشكيلات اخر اخرى، ترك النظام اثره في سياساتها الى تبديل هدف الثورة والانتقال من الهدف الجامع في دولة لكل السوريين الى شعار “دولة اسلامية”، وقد تزايد الحذر منها في ضوء ما قامت به من ممارسات عنيفة وحملات تحريض طائفي، لم يسلم منها ناشطون في الثورة بينهم جماعات وافراد، وشجعت شعارات وممارسات الجماعات المتطرفة تشكيلات مسلحة اقل تطرفاً على تبني اطروحات شقيقاتها مما خلق مزيدا من المخاوف في الشارع السوري وفي المحيط الاقليمي والدولي حول مستقبل الثورة في سوريا.
ان طبيعة الصراع الجاري في سوريا باعتباره صراعا بين أكثرية السوريين والنظام تفرض وحدة السوريين على اختلافاتهم، وهي وحدة مطلوبة في المستويين السياسي والعسكري على السواء، وان لم يتم تحقيق الوحدة من الناحية التنظيمية في صف المعارضة السياسية، فانها حققت وحدة في الهدف السياسي عبر اعتماد شعار اسقاط النظام واقامة نظام ديمقراطي تعددي، اما في جانب المعارضة المسلحة. فثمة تشتت تنظيمي اضافة الى وجود اختلاف كبير في الشعار، حيث يرفع الجيش الحر وبعض التشكيلات المسلحة شعار اسقاط النظام واقامة نظام ديمقراطي تعددي، بينما ترفع التنظيمات الاسلامية والجهادية شعار اسقاط النظام واقامة الدولة الاسلامية، وهو امر يجعل امكانيات اسقاط النظام اصعب من جهة، ويفتح الباب على صراع بين التشكيلات المسلحة، التي تحسب نفسها على الثورة، وليس فقط الصراع بين التشكيلات المؤيدة للنظام وتلك التي تعارضه.
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى