سوريا اليوم

مراسل صقور الأبداع من سوريا

د م محمد غسان طيارة : سيريانديز

الخربشة الأولى: لم ولن أكون من المدافعين عن السلوكيات الخاطئة لبعض الأجهزة الأمنية ،ولكن الحديث عن ما تقوم به بعض الأجهزة الأمنية في هذه الأيام زاد عن الحدود المعقولة لأسباب لا تخفى على أحد معتمدين على بعض التصرفات غير المنطقية التي جرت في السابق حيث كان بعض المواطنين يشبه الموقوف أمنياً مفقوداً ومن يخرج سليماً فهو مولوداً. وهنا لا أريد أن أغْمض العين عن مساوئ البعض في الماضي ليس للإحراج ولكن للتذكير بنقاط يستند فيها المواطن إلى التشكيك بهذه الأجهزة في هذه الأيام:
ـــ الاستفسار عن وضع أي مواطن من الحلاق والخضري والسمَّان وموظف صغير في الإدارة.
ـــ حضور اجتماعات لكبار المسؤولين تحت غطاء صحفي وتقديم تقارير غير ضرورية.
ـــ تكليف عنصر من كل جهاز أمني بمراقبة عمل الوزارة, المؤسسة العامة, منظمة شعبية, نقابة مهنية لأسباب غير مقبولة وتشكِّل مضايقات لقيادات تلك الجهات.
ـــ الكشف عن بعض الاختلاسات واعتقال بعض المسؤولين بتهم مختلفة يظهر في النتيجة عدم صحة الإدعاء. ولا أعتقد هناك ضرورة لذكر بعض الحوادث المعروفة لدي.
ـــ مراقبة عناصر المرافقة لتحركات الوزير (قبل حدوث الأزمة الحالية).
ـــ الاعتماد على تقارير مغْرِضة وأحياناً مغْفلة من التوقيع أو بتواقيع مزورة وتوجيهها إلى الوزارات ورئاسة مجلس الوزراء والأجهزة التفتيشية والرقابية وحتى إلى رئاسة الجمهورية.
بعد صدور القوانين الجديدة وخاصة إلغاء حالة الطوارئ وصدور الدستور الجديد وتحديد المدة القصوى للاعتقال اصبحت هذه الحالات مخالفة للقوانين وللدستور. أتمنى أن تبقى هذه الأمور من الماضي.
تحدثت عن السلبيات ولكن لدي موضوع إيجابي لن أنساه وألخصه بالآتي:
ـــ في ستينات القرن الماضي وأثناء عودتي من دمشق إلى طرطوس بسيارة تاكسي عمومي لسائق من طرطوس وعند مركز الحدود قبل تلكلخ وعند اختراق الطريق العام الأراضي اللبنانية أوقف السيارة أحد عناصر الأمن وخطف من يدي كتاب محادثات الوحدة لرياض طه. أنزلني من السيارة وأدخلني محرس خشبي يكاد يتسع لكرسي وأغلق علي باب المحرس من دون الاستماع إلى قولي بأن هذا الكتاب يباع في المكتبات السورية وهو يمتدح موقف سورية من تلك المفاوضات فأصبحت في ظلام دامس.. وقرر عنصر الأمن الاتصال برئيسه لإرسال دورية لنقلي إلى سجن الإدارة الأمنية بحمص. من حظي أن الضابط على اطلاع بالموضوع فأمر العنصر بتأمين متابعة سفري إلى طرطوس واعتذر عن تصرفه وكان الضابط قدم اعتذاره حيث طلب من العنصر إطلاق سراحي والحديث معه. هذا الحادث محفور في ذاكرتي ويحفزني على الطلب من القيادات الأمنية نشر الوعي بين عناصرهم ومطالبتهم معاملة المواطنين بما يليق بهم.
في هذه الأيام أطلب من كل الأجهزة الأمنية, إحالة ملف أي موقوف من أي جهاز أمني إلى النيابة العامة لإجراء التحقيق وفق القوانين والأنظمة النافذة, وفي هذه الأيام يجب الإسراع في تنفيذ ذلك وزيادة التعاون مع النيابات العامة. النيابة العامة موجودة وهي المسؤولة عن أي توقيف في أي مكان من أرض الوطن الحبيب. وفي هذه الأيام تنْشر بعض الأبواق المغْرضة بأن هناك مواطنين تختطفهم الأجهزة الأمنية وتوقف البعض على الشبه أو نتيجة بلاغ كاذب ومغرض. فكل ضائع هو مخطوف من قِبل جهاز أمني حتى يثبت العكس, إنها الأغنية الشيطانية التي تنشرها الفضائيات المغرضة. إنني أشجع الأجهزة الأمنية على إعلان أسماء الموقوفين لديها بحيث لا يختل عنصر المفاجأة لعناصر المجموعات المسلحة المعروفين من الشخص الموقوف, على أن يتم أخذ موافقة النيابة العامة المختصة في حال زيادة مدة التوقيف عن المدة المحددة في القوانين النافذة.
وكل ما أتمناه تجفيف كل أثر قد يسيء إلى أجهزتنا الأمنية, وكمواطنين يجب أن نتذكَّر كل تصرُّف جميل من العناصر الأمنية, وكعناصر أمنية عليهم مراعاة الحالات النفسية للمواطنين فنلتقي في منتصف الطريق لحماية الوطن معاً.
الخربشة الثانية: يوجد للأزمة الحالية في سورية مجموعة من العناصر السياسية المساعدة والتي تتركز على عدم وفاء بعض الزعماء العرب للمواقف السورية مع قضاياهم ومع أبناء الوطن العربي كافة تبدأ من المعاملة المتميزة لأخوتنا الفلسطينيين ولا تنتهي عند تأمين مياه الشرب للأخوة في الأردن في سنة جافة كانت علينا وعليهم. ولا أذكر هذا للمنة على أحد فما قامت به الحكومة هو واجب ولا نقْبل بأي موقف مخالف. والمقصود هنا قادة دول جامعة الدول العربية (العبرية). شخص مثل حمد بن خليفة طرد والده من الحكم بعد أدائه قَسَم الولاء له لا يصلح أن يكون صديقاً للجمهورية العربية السورية… لقد اعتبرتُ في الماضي وفي الحاضر بأن تطوير العلاقة مع المواطنين العرب واجب مقدس ولكنها لم تكن ناجحة مع بعض قادة الدول العربية. نظرت إلى جامعة الدول العربية على أنها عربية الاسم وعبرية الهوى والأهداف ولم تتغير نظرتي إليها منذ سنة 1957 وحتى تاريخه.
إن الاعتراف بالخطأ فضيلة, فقد أخطانا عندما لم نعترض على كتاب التهنئة الذي بعثه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى قادة الانفصال في جنوب السودان. تصوروا جامعة الدول العربية تقدم تهنئة على تقسيم السودان ولم أسمع صوت احتجاج واحد.
نتذكر كيف حاول القادة العرب ثني ليبيا عن الانسحاب من الجامعة العربية ونتذكر معها بكل سهولة قامت جامعة الدول العربية بتجميد عضوية ليبيا فيها بأمر من واشنطن ولم توافق سورية على ذلك ولكنها لم تعْلن انسحابها منها وهذا خطأ ندفع ثمنه الآن. حولت جامعة الدول العربية قضية ليبيا إلى مجلس الأمن وحدث ما حدث. اعترضت سورية على قرار التحويل ولكن لم نُعْلن انسحابنا من الجامعة التي نعرف أنها عبرية بامتياز. آمل أن تنتهي الأزمة ولكن أعارض العودة لعضوية جامعة الدول العربية.. يصدر قرار من جامعة الدول العربية (العبرية) بتسليح المجموعات المسلحة في سورية ولن يتجرأ أي زعيم منهم حتى على التلميح بتسليح الفلسطينيين لتحرير القدس الشريف. والله هزُلت يا أمتي وعروبتي وإسلامي ومسيحيتي.
الخربشة الثالثة: لقد تصادقنا مع الحكومة التركية بطريقة غير صحيحة ومن الأخطاء التي ارتكبناها أننا أقرينا بناء سد الصداقة على نهر العاصي الذي اعتبرته القيادة التركية تنازلاً صريحاً عن لواء اسكندرون وهو حلم عثماني قديم.. قادة العثمانيين كانوا وما زالوا يطمحون بعودة إمبراطوريتهم, وهم منزعجون لأن أوربا لا تقبل بهم ضمن اتحادها ولهذا يفكرون بالإمبراطورية العثمانية فقد تقبل بدولتهم أوربا..
أما علاقتنا مع إيران فهي الشوكة التي علقت في حلق تركيا وإسرائيل وأمريكا وتوابعهم من غربان الخليج وفي حلق أوربا العجوز ولن تخرج من تلك الحلوق إلا بعد أن تدمي كراماتهم وإن كانت على حساب العربان وستخسر
سورية بعض شبابها وبكل أملٍ وألمٍ أفاخر بأن سورية ولادة.
كانت وما زالت روسيا مع الشعوب المناضلة ومع الحرية والمواساة ولم تخْرق المواثيق والقوانين الدولية ووقوفها مع الحل السلمي في سورية نابع من المبادئ العامة التي تؤمن بها القيادة الروسية وشعوبها, فجميع
الأحزاب في روسيا الاتحادية متضامنة مع الحكومة في موضوع الأزمة السورية. وقد خبرت روسيا الإرهاب من الجماعات السلفية التكفيرية ومن التدخل الأميركي في جورجيا ولهذا أكدت روسيا على أن أمن روسيا يتحقق مع الحدود السورية. كما أكدت على أن وجه العالم سيتغْير وفق الحل الذي سيتم الاتفاق عليه دولياً في الشأن السوري, ولهذا فروسيا الاتحادية تقف بكل مكونات الشعوب الروسية بقوة مع الحل السلمي على كامل التراب السوري وحق الشعب العربي السوري في اختيار قياداته, لضمان الاستقرار في المنطقة العربية وفي العالم.
الخربشة الرابعة: عندما وجهت بعض القيادات الحكومية الاقتصاد السوري نحو اقتصاد السوق المتوحش, فهي بذلك تنازلت عن دورها في فرض رقابة واضحة وصارمة على وحشية اقتصاد السوق, وهذا ما نلمسه الآن من فوضى عارمة في السياسية السعرية التي يرسمها المستغلون الجشعون لحصد أرباح خيالية (ذكرْت في الخربشة الرابعة بأنني سأشرح موضوع الاقتصاد) . هذا لا يعني بأنني ضد إعطاء دور للقطاع الخاص الوطني مكمِّلٍ للقطاع الحكومي, لقد ارتكبنا أخطاء في التوجهات الاقتصادية اليبرالية التي تترنح الآن في أعتى الدول الرأسمالية. كان خطأنا مضاعفاً عندما تصورنا بأن الفكر الاشتراكي انهار مع انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية. لقد انهارت إدارة النظام الاشتراكي وليس الاشتراكية فقد مارسوا المحسوبيات على حساب العدالة الاجتماعية التي يحققها نظام الاقتصاد الاشتراكي. وكان علينا الاستفادة من انهيار ذلك الاقتصاد من خلال بناء اقتصاد اشتراكي موجه يساهم فيه القطاع العام والخاص جنباً إلى جنب بهدف التأسيس لتنمية مستدامة ومتوازنة. وحتى لا يكون كلامي من فراغ أبين الأسلوب المناسب لبناء التنمية المتوازنة والمستدامة: نحتاج, وعلى سبيل المثال, لتطوير الصناعات الغذائية, بحيث ألخص الأسلوب ببناء شركات مكملة للقطاع العام, أو بناء شركات جديدة لتأمين منتجات غذائية جديدة للقطاع الخاصة, أو تطوير مصانع القطاع العام المنتجة للمواد الغذائية بالمشاركة بين القطاعين العام والخاص, أو إقامة مصانع غذائية جديدة بالمشاركة بين القطاعين العام والخاص ويمكن سحب ذلك على جميع القطاعات الاقتصادية وبذلك يصبح اقتصادنا وطني بامتياز ونحقق مقولة المرحوم الرئيس حافظ الأسد: لا أحد يملك الوطن لوحده. إن فكرة المشاركة في الاقتصاد الموجه يضمن تأمين المنافسة الشريفة وتأمين حاجات الأسواق المحلية وتصدير الفائض بضمان حكومي منظم. </p>
دمشق في 3 نيسان 2013
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى