سوريا اليوم

مراسل صقور الأبداع من سوريا

حبيب عيسى : كلنا شكاء

( 31 )

&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00 لعل المصطلح الأكثر شيوعاً منذ عامين ، والذي تردد من باب التهويل والتخويف في الداخل السوري ، وفي الجوار العربي والأقليمي ، وكذلك على النطاق الدولي كان وما يزال : “أن الحريق في سورية سيشعل حرائق في المنطقة ، وربما في العالم ، وسيكون من الصعب السيطرة عليها” ، وقد تم استخدام ذلك المصطلح بخبث شديد من قبل أطراف عدة تبدو من حيث الظاهر متناقضة فيما بينها لكنها متفقة من تحت الطاولة ، كما يقولون ، لتبرير مواقف متطابقة مما يحدث في سورية سواء بالتدخل المباشر أوغير المباشر ، أو لتبرير الفرجة من بعيد على المشهد السوري ، وقد ازداد الأمر تعقيداً بسبب تزاحم المتصارعين على سورية وفيها بهدف وحيد هو التعمية على النضال المرير الذي يخوضه الشعب في سورية لانتزاع حريته وكرامته وإرادته وقراره وسيادته ، وتصوير مايجري في سورية على أنه حريق مذهبي وطائفي وإثني سيضرم النيران في المنطقة بأسرها ، كما يدعون ، بينما المشهد في حقيقة الأمر هو أن نضالاً ملحمياً يخوضه الشعب في سورية لعل رياح الربيع العربي المحمل بأريج الياسمين الشامي تبلسم الجراح الطائفية والمذهبية والعرقية ليس في سورية ، وحسب ، وإنما بين المحيط والخليج العربي .

( 32 )

&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00 نخلص من ذلك للقول : أن الصراع الحقيقي في سورية ، وعليها يدور بين “إرادتين” لكل منهما حوامل داخلية وخارجية ، (1) إرادة تهدف إلى إحراق سورية ، ونشر الحرائق في الجوار العربي والإقليمي ، (2) وإرادة تهدف إلى نشر رياح ربيع الحرية والكرامة في سورية ، ومن ثم انتشارها في المحيط والمركز العربي ، والصراع حاد وحاسم بين الإرادتين … فحوامل إرادة الحريق لا توفر سلاحاً ولا فتنة ولا دسيسة إلا وتستعملها في هذا الصراع المصيري ، بينما الحامل لإرادة الربيع والحرية هو الشعب يخوض هذا الصراع على سجيته ، وقد بدأه وهو شبه أعزل من أدوات الصراع ، لا تنظيم لا أحزاب لا سلاح ، بل على العكس من ذلك يتعرض هذا الشعب العظيم منذ اللحظة الأولى للتشويه والاختراق ونشر مشاهد تشويهية للنيل من نبل المقاصد والتضحيات ، إلى درجة اتهام الشعب أنه ينفذ مؤامرة خارجية ، لكن هذا الشعب العظيم ، وعلى مدى أكثر من عامين أفشل محاولات التشويه واختلاق أحداث سلبية ذات طابع طائفي أو مذهبي أو عرقي أو حتى إجرامي ، فظلت تلك الأحداث هامشية ، تحدث عادة على هامش أية ثورة في التاريخ البشري ، خاصة إذا طال الصراع لفترات زمنية مديدة ، يضاف إلى ذلك في المشهد السوري تعدد القوى المتدخلة وتناقض أجنداتها ومحاولات اللعب على النسيج الاجتماعي في سورية ، وتصوير ذلك الذي يجري على أنه مجرد مؤامرة خارجية ، خاصة ، وأن القوى الإقليمية والخارجية تملأ الفضاء ضجيجاً في تبرير التدخل ، أو النأي بالنفس ، وكأن تلك الجهة الخارجية ، أو تلك هي التي تصنع الحدث …

( 33 )

&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00 إن القول الفصل في ذلك كله يتوقف على عملية الفرز البالغة الأهمية في هذه المرحلة بين الذين يريدون إحراق سورية والمنطقة بأسرها ، وبين الذين يخوضون معارك ملحمية لانتزاع الحرية والإرادة والقرار ليزهر الربيع العربي في سورية ، ومن ثم بين المحيط والخليج .

&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00 إن نقطة الانطلاق في عملية الفرز تلك تعتمد على عنصر الهوية ، فالذين يسعون لأضرام الحرائق يشهرون هويات طائفية ومذهبية وعرقية ، بينما الذين يناضلون لربيع عربي في سورية ينطلق منها بين المحيط والخليج&#00 يشهرون الهوية الوطنية التي يتم التأسيس عليها لمواطنة متساوية بين جميع المواطنين لافرق بينهم على أساس من دين أو طائفة أو مذهب أو عرق أو أو لون أو منطقة&#00

( 34 )

&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00 فالذين يعملون على إحراق سورية ، ومن ثم امتداد الحرائق إلى الجوار العربي يصرحّون علناً ، ودون مواربة ، عن صراع دموي تاريخي بين طوائف ومذاهب وأعراق في سورية يعتقد كل منها أنه المظلوم الوحيد ، وأن جميع الآخرين ظالمين على مبدأ الفرقة الناجية ، ولكل من تلك القوى ما يكفي من المفتين بتكفير الآخر وتسفيهه والتحريض على قتله ولهؤلاء امتداداتهم الخارجية في المحيط العربي ، وبالتالي إذا نجح أولئك في تدمير النسيج الاجتماعي في سورية فأن ذلك سيمتد للمحيط العربي ، وهذا ما يعبرون عنه بالحرائق التي ستتجاوز حدود سورية ، هذا الحريق الذي يسعى له البعض بحسن نية أو سوء نية ، لافرق ، ونحن هنا لا نتحدث عن مؤامرة ، وإنما عن مواقف معلنة قديمة وحديثة أعلنتها الحركة الصهيونية منذ أكثر من قرن ، وأعادت تأكيدها من خلال وثيقة “استراتيجية إسرائيل في الثمانينات” والتي رسمت حدود الدول الطائفية والدينية والعرقية كضمان استراتيجي وحيد لوجود إسرائيل ، وإذا كنت أشير إلى ذلك الآن فأنا لا أتحدث عن مؤامرة ، ولكن للأشارة إلى أن كل ممارسة طائفية أو مذهبية أو عرقية تلتقي من حيث النتيجة مع الاستراتيجية الصهيونية أدرك الممارسون لها أم لم يدركوا ذلك ، يستوي في ذلك الذين يمارسونها في عصبويات السلطات الاستبدادية ،مع الذين يمارسونها على التضاد في قاع المجتمع ، فلا توجد طائفية أو مذهبية أوعرقية خبيثة ، ولا توجد بالمقابل طائفية أو مذهبية أو عرقية حميدة ، فالطائفية والمذهبية والعرقية خبيثة إطلاقاً أياً كان مصدرها .

( 35 )

&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00 في المقابل نجد أن الذين يناضلون لانتزاع الحرية والكرامة والقرار يعلنون غائيتهم أيضاً ببناء دولة ديمقراطية حرة ذات سيادة تحقق العدالة والمساواة وتصون الحقوق الأساسية للمواطنين ، وهو ما يعبرون عنه بسورية دولة حرة لجميع ابنائها على قدر واحد من المساواة والعدالة وأنهم يرفضون الاستبداد ، ويرفضون في الوقت ذاته كل ما يهدد النسيج الاجتماعي ، كما يرفضون التبعية للخارج الإقليمي والدولي الغربي منه والشرقي ، هؤلاء يعتمدون هوية المواطنة المتساوية العادلة بين حميع أبناء الوطن . فما هي الهويات التي تنتج الحرائق والخراب في سورية والوطن العربي ؟ ، وماهي الهوية التي تنتج الربيع والحرية والكرامة والتقدم في سورية والوطن العربي ؟.&#00&#00&#00&#00

“وللحديث بقية”
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى