سوريا اليوم

مراسل صقور الأبداع من سوريا

د. وائل مرزا : كلنا شركاء

منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة.

لم يعترض شخصٌ أو جهةٌ أو دولةٌ أو أي طرفٍ من الأطراف على هذه التركيبة التي تضمنّها النظام الداخلي للائتلاف يوم ولادته.

لم تُسمع أو تنشر وقتها كلمةٌ واحدة تعترض على حقيقة أن الائتلاف الوطني سيقوم في يومٍ من الأيام بتشكيل الحكومة.

من هنا، يبدو غريباً، ويبدو مريباً، ويبدو محيراً، هذا الضجيج والتشويش الذي يحصل هنا وهناك بخصوص تشكيل هذه الحكومة العتيدة.

هل كان البعض يتوقعون مثلاً أن التصور المذكور هو مجرد (كلام في كلام)، وأن من الممكن (لحسَ) مثل هذه القضية المصيرية أو إلغاءَها وتجاهلها ببساطة؟

لم يقفز الائتلاف إلى هذه الخطوة بعد يومين أو اسبوعين أو حتى شهرين من تشكيله. ورغم مطالبة الأغلبية الكاسحة من السوريين بها، خاصةً في الداخل، قتل الائتلافُ الموضوعَ بحثاً، وأجّل أخذ القرار فيه أكثر من مرة. لكنه أقدم أخيراً عليه بعد كل تلك الدراسة، وبعد اجتماع الرأي على الموضوع.

كانت هناك آراء مختلفة كثيراً في بداية المطاف، وكان الرفض الداخلي للتوقيت واسعاً في مرحلة من المراحل، لكن الموضوع نوقش مرةً تلو أخرى مع تطور الأوضاع والمُعطيات، حتى تم الوصول أخيراً إلى القرار، وحصل هذا على مرحلتين.

ففي اجتماعه الخامس في القاهرة، وبتاريخ 21 شباط/فبراير من هذا العام 2013م، وافق الائتلاف بالتصويت على فكرة إنشاء حكومة مؤقتة. وعلى مدى أسابيع تجمّعت لائحة مرشحين لرئاسة الحكومة تجاوز عددها عشرة أشخاص. وفي ذكرى الثورة السورية بتاريخ 18 آذار تمت عملية الانتخاب، وفاز أحد هؤلاء المرشحين بنسبة 74% من أصوات الناخبين تقريباً.

لم تكن النسبة 99%، ولم يفز المرشح بالتزكية بدون منافس، وصوّت له أعضاء من مختلف الاتجاهات والانتماءات.

رغم هذا، ثمة شبهاتٌ تم طرحها وتحتاج إلى حوارٍ وتوضيح.

فقد تساءل البعض مثلاً عن أحقية المصوِّتين أصلاً في تعيين رئيس وزراء حكومةٍ سورية مؤقتة. جاءت هذه الشبهة في معرض التشكيك الذي جاء بعد العملية، والواضح أنها تأتي في سياق التشكيك بمشروعية تمثيل الائتلاف نفسه. لهذا، نعيد التذكير بما أوردناهُ في البداية أن الائتلاف الوطني أعلن منذ ولادته عزمه على تشكيل الحكومة، وأنه حاز على شرعية ثورية وشعبية، ثم على شرعية قانونية ودولية بدأت باعتراف أكثر من مائة وثلاثة عشرة دولة به في مؤتمر مراكش بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، وصولاً إلى حصوله على مقعد سوريا رسمياً في الجامعة العربية.

لم يطرح أحدٌ هذه الشبهة خلال كل مراحل العملية المذكورة. وهي عملية تُشكّل المرجعية لدور أعضاء الهيئة في التصويت لتسمية رئيس حكومة. الأمر الذي يسحب الصدقية من طرح مثل هذه الشبهة في ظل كل المعطيات السابقة.

ثمة شبهةٌ أخرى أثيرت وتتعلق بسيطرة فصيل سياسيٍ معيّن في الائتلاف على صيرورة تشكيل الحكومة، وبالتالي على الحكومة ورئيسها. ورغم حساسية هذه الشبهة وخطورتها، إلا أن استصحاب الحقائق العملية بدرجةٍ من التجرد والموضوعية يُحتّمُ على المنصفين إعادة النظر بها إلى درجةٍ كبيرة. فقد شارك في عملية التصويت 48 عضواً ينتمون إلى مختلف الانتماءات والتوجهات، وهم معروفون بالاسم لدى الغالبية العظمى من المتابعين على الأقل، إن لم يكن لدى الشريحة الكبرى من مجتمع الثورة.

وبشيءٍ من التفكير، فإن التأكيد على الشبهة المذكورة يحمل في طياته مظنّة الانتقاص والاستهانة غير الجائزة ولا المنطقية بهؤلاء، خاصة حين نذكر منهم بعض الشخصيات الأكثر شهرةً مثل السيدة سهير الأتاسي والسيدين رياض سيف وجورج صبرة والدكاترة برهان غليون وعبد الباسط سيدا، وغيرهم من الشخصيات المستقلة بقرارها، والمعروفة بتوجهاتها المتنوعة ومرجعياتها المختلفة ثقافياً وتنظيمياً وسياسياً.

وسيكون من غير اللائق إدراج هؤلاء بلسان الحال في خانة الاتهام المذكورة، والاستخفاف بهم إلى درجة الإيحاء بإمكانية تمرير مثل هذه القضايا عليهم بتلك السهولة. بل إن مثل هذا التفكير (الخفيف) يقفز ببساطةٍ وسطحية على درجة تعقيد خارطة المعارضة السياسية السورية، ويختزل قوة وحضور كثيرٍ من التيارات والتوجهات، في مقابل تضخيم فريقٍ من فرق المعارضة إلى هذه الدرجة.

ثمة من يطرح أن أفراداً معدودين هنا وهناك يستخدمون هذه الشبهة لتخويف بعض القوى الإقليمية والعالمية بحثاً عن تحقيق بعض المصالح الشخصية أو الحزبية. هذا أمرٌ يحتاج إلى مزيدٍ من المعلومات، ولكنه في جميع الأحوال يجب أن يكون خطاً أحمر يتفق على عدم تجاوزه كل العقلاء.

الخطير في الموضوع كله أن المبالغة في هذه الممارسة يمكن أن يساهم بقوة في رسم خارطة فرزٍ وتصنيف، وأن يوحي بالحشد لخلق اصطفافات متقابلة، كلٌ منها مبنيٌ على خلفيةٍ ثقافيةٍ وسياسيةٍ معيّنة. وهذا مآلٌ خطيرٌ ليس في مصلحة أحدٍ على الإطلاق، ولاهو بالتأكيد في مصلحة الثورة السورية.

من هنا تحديداً يأتي دور الحكومة السورية المؤقتة كجهازٍ تنفيذي يعتمد بشكلٍ على أساسي على التكنوقراط، ويكون أداةً لجمع جهود السوريين من جميع الأطياف لتحقيق أهدافه الأساسية في خدمة الثورة السورية بشكلٍ فعال في مختلف المجالات.

فالواضح أن الرئيس المُنتخب للحكومة ينوي التركيز على هذه المهمة بشكلٍ كبير. وربما يُفسّرُ هذا ماسمعتهُ منه حين قال بأنه سيخاطب الائتلاف، عن طريق رئيسه، بالعبارة التالية حرفياً: “إنني أعتبر نفسي مُنتخباً من الائتلاف بشكلٍ مؤسسي، وأعتبر أنني لستُ معنياً بكل الملابسات السياسية التي حصلت أثناء عملية الانتخاب وبعدها في أوساط الائتلاف. الأمر الذي يجعلني أؤكد بأنني على مسافة واحدة من جميع الزملاء والتجمعات داخله، وأعلن بكل صراحة أنه ليس لي أي ولاء إلا للثورة وللائتلاف الذي يمثلها شرعياً. وأنا إذ أُشهد الله على ذلك، فإنني أرجو أن تظهر صدقية هذا من خلال العمل على أرض الواقع”.

آن الأوان ليضع بعض الساسة السوريين الخلافات في وجهة نظرهم جانباً، على الأقل فيما يتعلق بعمل الحكومة المؤقتة، وأن تُعطى هذه الحكومة الفرصة والدعم للقيام بأعبائها ومسؤولياتها الثقيلة.

دعوا الحكومة تعمل ياسادة. وراقبوا أداءها عن قرب.

دعوها تعمل على الأرض، وتقدم إنجازاً يشعر به الناس عملياً.

لقد ملّ شعبُنا من التنظير والمماحكات السياسية، وهو يتوقع منكم اليوم أن تُفسحوا المجال لذلك الإنجاز وأن تدعمو عوامل نجاحه بكل طريقةٍ ممكنة.

دعوا الحكومة تعمل، وكونوا على ثقةٍ بوعي شعبكم، فقد كان دائماً القائد الحقيقي للثورة، والحارس لها من أي انحراف. وحاشا أن تكون هذه المرحلةَ التي سيتخلى فيها عن هذا الدور، رضيَ من رضي وسخطَ من سخط.

وستصدقُ مرةً أخرى، كما هو الحال دائماً، المقولةُ التي تؤكد أن شعبنا في الداخل كان ولايزال وسيبقى في نهاية المطاف، صاحبَ القرار.

&#00
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى