أسئلة الأعضاء

عضوية طرح الأسئلة

الفرق بين الدلاله والمدلول


الدلالة إن تعلّقت بالألفاظ، فهي –كما في المصباح-: “مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ”. أما إن كان الدليلُ غير لفظي كأن يكون عقلياً مثلاً ؛ فهو ما يقتضيه ذلك الدليل، أي مضمون الدليل ومحتواه، يقول الجرجاني في تعريفاته أن الدلالة: “هي كون الشيء بحالةٍ يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، والشيءُ الأول هو الدال، والثاني هو المدلول”، فالدليل إذن موصلٌ إلى شيءٍ آخر غيره، هو المدلول، وهذا يعني أنه إن لم يوصلنا إلى شيءٍ ؛ فلا يصح أن يُسمّى دليلاً.



والفهم فهو التصورُ والإدراك، وعندئذٍ فإننا سنجدُ بين الدلالة والفهم علاقة، وهي أن إدراك الدلالة هو الفهم، فالفهم متعلقٌ بشيءٍ نفهمه، وهو مدلول الدليل. هذا في حال تعلّق الفهم بالدليل ؛ أما بغير استحضار فكرة الدليل، فإن الفهم هو مطلقُ التصور، إذ ليست كلُ المدركات مدلولاتٍ وأدلة..



..لو تأملت معي أن الأدلة –بما هي أدلة- أننا لا ننظرُ إليها إلا باعتبارها تدلُّ وتشيرُ إلى شيءٍ ما، هو المدلول، وإن فقدت الأدلة هذه الصفة لم تعد أدلةً. فتأمل معي أن أشياءً قد تشير إلى أشياءٍ أخرى وتدل عليها، فهي إذن بهذه الصفة قد تحوّلت إلى “أدلة”، وسيتضحُ الآن أنه ليس كل الأشياء تشيرُ إلى غيرها، كما أن السيارة المتوقفة في الشارع قد لا تدلُّ بمجردها على شيء، لكننا متى ما لمحنا في السيارة إشارةً ما، أي دلالةً ما، كأن نستدلُّ بها على تواجد صاحبها في هذا المكان، فإنها الآن باتت دليلاً على شيءٍ، لكن السيارة –كشيءٍ من الأشياء- لم توضع كدليل، بل كوسيلة للتنقّل، بخلاف الإسناد في الأخبار مثلاً، فإنه لم يُوجد إلا كدليل على متنٍ خبريٍ ما، وكذا غيره من البراهين الرياضية أو الفيزيائية أو.. غير ذلك من معطيات هي بذاتها براهين وأدلة على أشياء أخرى. وبهذا سنعلم أن القدرة على إحالة ما ليس بذاته دليلاً إلى دليل تعدُّ ضرباً رفيعاً من الاستنباط، الذي كثيراً ما يتفاوت في دقته من حيث دلالته وغرابتها، فالأذكياء يقتنصون الدلائل على أفكارهم من أشياء لا يظهر لغيرهم فيها أنها أدلة، أو يكتشفون مدلولاتٍ ينفذون إليها من خلال ما تبدّى لهم لأول وهلة كـ”أدلة”، أي أنهم يسترشدون إلى المدلولات المضمرة والمطمورة في الوجود من غير أبوابها المعهودة، فيبدؤون تارةً من الدليل فيصلون به إلى مدلوله، وتارةً من المدلول فيصعدون على أكتافه إلى دليله، كالشجرة التي نستدلُ على جذورها بجذعها، وبجذعها على جذورها.



-مثلاً- كيف فطنَ نيوتن إلى قانون الجاذبية من تفاحة تسقط، فكم سقطت من تفاحةٍ قبلها، لكنها لم تجد من يحوّلها إلى دليل على شيءٍ ما، وهذا سيطرحُ فكرة ما الذي نعثرُ عليه أولاً: أهو الدليل أم المدلول؟!.. مع أننا لا نمتري في أن الدليل كثيراً ما يكون “حجةً” على المدلول، فبين الدليل والمدلول صلةٌ عضوية، ولهذا تفاصيلُ أخرى ليس من الضروري التطرقُ إليها الآن.

وبما مضى سيظهر أن المفكر والمتأمل هو من يستطيع توسيع فكرة الدلائل والمدلولات، بحيث يتجاوز نطاق الدلائل المعهودة إلى غيرها، وسيظلُّ في الوجود أشياء لا نلمحُ فيها مدلولات معينة، لأننا أصلاً لم نراها أدلةً على شيءٍ ما، وبالطبع فهذا لا يخرجها –هي- عن كونها أدلة، بل يخرجنا –نحنُ- عن كوننا متيقظين فطنين دائماً، وبذا سنعرف أن المسألة تغشاها النسبية..!
 

التعديل الأخير بواسطة المشرف:

المواضيع المشابهة


وهدا مقال اخر لعله يفيدكم

بحث: الدلالة وجدل اللفظ والمعنى

جدل اللفظ والمعنى:
تتكون الكلمة أو أية وحدة لغوية تكبرها من جانبين أساسيين مهمين لا ينفصل أحدهما عن الآخر هما: اللفظ والمعنى. ودراسة اللغة في حد ذاتها تعد في جانب كبير منها دراسة للعلاقة بين هذين الجانبين.
تعريف اللفظ:
اللفظ هو الحامل المادي والمقابل الحسي المنطوق للمعنى الذي هو فكرة ذهنية مجردة، وأهم ما يميزه أنه منطوق، وهذا ما أكد عليه أغلب النحاة في تعريفاتهم، فسيبويه يقصد باللفظ العلامة الإعرابية أو الإعراب لأنه يرى أن الشكل اللفظي المتمثل في النصب يتبع معنى معينا ويوجه ويصحح عليه، كما أن الشكل اللفظي المتمثل في الرفع يتبع معنى معينا آخر ويوجه ويصحح عليه.
وعرف ابن مالك الكلمة بأنها "لفظ مستقل دال بالوضع تحقيقا أو تقديرا ... والمراد هنا بالمستقل ما ليس بعض اسم كياء زيد، وتاء مسلمة، ولا بعض فعل كهمزة أعلم، وألف ضارب. فإن كل واحد من هذه المذكورات لفظ دال بالوضع وليس بكلمة لكونه غير مستقل" . وإطلاق اللفظ على الكلمة هنا إنما هو من باب إطلاق المصدر على المفعول به.
وقال الشيخ خالد الأزهري: "واللفظ في الأصل مصدر لفظت الرحى الدقيق إذا رمته إلى الخارج، والمراد باللفظ هنا (أي في اصطلاح النحويين) الملفوظ به وهو الصوت من الفم المشتمل على بعض الحروف الهجائية تحقيقا كزيد، أو تقديرا كألفاظ الضمائر المستترة، وسمي الصوت لفظا لكونه يحدث بسبب رمي الهواء من داخل الرئة إلى خارجها، إطلاقا لاسم السبب على المسبب" .
وقال السيوطي: "ما خرج من الفم إن لم يشتمل على حرف فصوت، وإن اشتمل على حرف ولم يفد معنى فقول، فإن كان مفردا فكلمة، أو مركبا من اثنين ولم يفد نسبة مقصودة لذاتها فجملة، أو أفاد ذلك فكلام، أو من ثلاثة فكلم" .
وقال أبو البقاء الكفوي عن اللفظ: "هو في اللغة مصدر بمعنى الرمي، وهو بمعنى المفعول، فيتناول ما لم يكن صوتا، وما هو حرف واحد وأكثر مهملا أو مستعملا، صادرا من الفم أولا، لكن خص في عرف اللغة بما صدر من الفم من الصوت المعتمد على المخرج حرفا واحدا أو أكثر، مهملا أو مستعملا، فلا يقال لفظ الله، بل يقال كلمة الله. وفي اصطلاح النحاة ما من شأنه أن يصدر من الفم من الحرف، واحدا أو أكثر، أو تجري عليه أحكامه كالعطف والإبدال، فيندرج فيه حينئذ كلمات الله، وكذا الضمائر التي يجب استتارها. وهذا المعنى أعم من الأول. وأحسن تعاريفه على ما قيل: صوت معتمد على مقطع، حقيقة أو حكما، فالأول كزيد، والثاني كالضمير المستتر في (قم) المقدر بأنت " .
ونلاحظ من خلال هذه التعريفات أنها تتفق في مفهوم عام ثابت للفظ وهو انحصاره في المنطوق أو الملفوظ، كما أن مصطلح اللفظ يتصل بمصطلحات أخرى تحيط به وهي: القول والكلم والجملة والكلام والكلمة.
تعريف المعنى
مصطلح المعنى هو من أكثر المصطلحات التي اختلف في تعريفها ويرجع ذلك إلى اختلاف اهتمامات الدارسين له وتعدد ميادين بحوثهم، بالإضافة إلى كثرة المصطلحات المستعملة في هذا المجال والمرتبطة به.
ومصطلح المعنى في كلام النحويين لم يكن واحدا، ومن ذلك أنهم كانوا يقصدون به المعنى الصرفي، وأحيانا أخرى المعنى الدلالي بصفة عامة، وأحيانا ثالثة كانوا يقصدون به المعنى النحوي، أي وظيفة الكلمة في الجملة كالفاعلية والمفعولية والإضافة.
والواضح أن جل حديثهم الصريح عن المعنى كان بهذا القصد، ومن هذا قول ابن جني عن الإعراب إنه " الإبانة عن المعاني بالألفاظ، ألا ترى أنك إذا سمعت: أكرم سعيد أباه وشكر سعيدا أبوه، علمت برفع أحدها ونصب الآخر الفاعل من المفعول، ولو كان الكلام شرجا واحدا لاستبهم أحدهما من صاحبه " .
ويتصل بحديث النحاة أيضا عن المعنى أننا نجد تقسيما مهما للدلالة عند ابن جني كذلك، يرى فيه أن الدلالات ثلاث: لفظية كدلالة (قام) بلفظه على مصدره، وصناعية كدلالة (قام) أيضا بصيغته على الزمن الماضي، ومعنوية كدلالة معنى هذا الفعل على ضرورة وجود فاعل له .

ومثل هذا التقسيم الدلالي له أهميته الواضحة في دراسة العلاقة بين اللفظ والمعنى من الناحية اللغوية والمعرفية في تراثنا.
ونظرا لأهمية اللفظ والمعنى عموما وارتباطهما بكثير من العلوم ومجالات المعرفة الإنسانية، لم تقتصر دراستهما قديما وحديثا –عند العرب وغيرهم- على مجال اللغة وحده الذي يعد أكثر ميادين العلوم اهتماما بهما ، بل إن كل المجالات المعرفية ذات الصلة بهذه القضية درست ما يخصها منها. ولذلك نجد أن قضية اللفظ والمعنى في تراثنا مسألة أساسية مشتركة في العلوم والدراسات العربية التي تتصل بالكلمة واللغة حيث إنها "هيمنت على تفكير اللغويين والنحاة وشغلت الفقهاء والمتكلمين، واستأثرت باهتمام البلاغيين والمشتغلين بالنقد، نقد الشعر والنثر، دع عنك المفسرين والشراح الذين تشكل العلاقة بين اللفظ والمعنى موضوع اهتمامهم العلني الصريح" .


وقد كان من إسهام اللغويين العرب في هذا المجال: وضع معاجم الألفاظ ومعاجم المعاني، ودراسة اتصال معاني الألفاظ المتحدة الأصول ومحاولة ربط بعضها ببعض فيما عرف باسم الاشتقاق الأصغر والاشتقاق الأكبر، وكذلك بحث المطابقة بين اللفظ ومعناه من حيث مناسبة كل منهما للآخر ]، وتفسير العلاقة أيضا بين اللفظ والمعنى بأنها- وهذا رأي أكثرهم- عرفية اعتباطية.
وقد اقتضت جهود البلاغيين في هذا الشأن السير في ثلاث اتجاهات: دراسة الحقيقة والمجاز، وبحث خصائص التراكيب، ودراسة الظواهر البديعية اللفظية. وقد نتج عن هذه الجهود اكتشاف نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني ووضع ثلاثة علوم تمثل هذه الاتجاهات وهي: البيان والمعاني والبديع، وهذه العلوم يجمعها إطار مشترك هو" العلاقة بين الاختيار الأسلوبي باعتباره رمزا وبين المعنى" .
ويضاف إلى ذلك أن هذه القضية برزت بوضوح في تاريخ الأدب العربي وخاصة في القرن الثالث الهجري، وشغلت الأدباء والنقاد وظلت مناط البحث والجدل فترة طويلة . وقد انقسم هؤلاء أمامها فريقين، وكان الاتجاه السائد تفضيل اللفظ على المعنى حتى عرف النقد العربي بهذ .

أنواع الدلالات

الدلالة الصوتية

ليس للأصوات في ذاتها دلالات، لأن العلاقة بين الدال والمدلول اعتباطية، فمهمة الأصوات أن تشكل الوحدات الدلالية الأخرى في المستويات التركيبية بدءا بالصرف وانتهاء بالجملة.
ويرى بعض الباحثين أن الدلالة الصرفية قد تستفاد من أصوات الكلمة نفسها، أي أن هناك علاقة طبيعية بين الدال والمدلول، فكلمة تنضخ تعبر عن فوران السائل بقوة وعنف، وهي إذا ما قورنت بنظيرتها تنضح التي تدل على تسرب السائل في تؤدة وبطء، فإن تلك المقارنة تكشف عن أن لصوت الخاء في الأولى دلالة صوتية قوية، إذ إنه أكسبها- في رأي أولئك الذين يقولون بوجود هذه المناسبة- تلك القوة والعنف .

لقد شغل بعض العرب القدماء كثيرا في بحث هذا المطلب ومنهم ابن جني ( ) الذي يقول بوجود تلك المناسبة الطبيعية بين الدال والمدلول، وقد خصص ابن جني في كتابه الخصائص فصلين في هذا المبحث، وهما باب في تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني وباب في إمساس أشباه الألفاظ أشباه المعاني ، وقد عد ابن جني مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث بابا عظيما واسعا، ونهجا عند عارفيه مأموما، وذلك أنهم كثيرا ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر بها عنها .
ومن ذلك عنده "بحث" فالباء لغلظها تشبه بصوتها خفقة الكف على الأرض، والحاء لصلحها تشبه مخالب الأسد وبراثن الذئب إذا غارت في الأرض، والثاء للنفث .
ومن المحدثين من تابع ابن جني وابن فارس في هذا الرأي، كمحمد المبارك الذي يرى أن المرء بمكنته أن يقول في غير تردد إن للحرف في العربية إيحاء خاصا، وهو إن لم يكن يدل دلالة قاطعة على المعنى، فإنه يدل دلالة اتجاه وإيحاء، ويثير في النفس جوا يهيء لقبول المعنى ويوجه إليه .

ويرى عبد الله العلايلي أن بمكنته أن يعين دلالات الحروف على اختلاف أصواتها، وهو لا يكاد يشك في أنه يمكن حلها وتحديد معانيها، ومن ثم يفهم العربية - كما يرى- فهما لا شية فيه ولا شبهة عليه .
غير أنه ليس مقبولا لدى جل علماء اللغة المحدثين ما يذهب إليه القائلون بوجود تلك المناسبة، فالكلمة الواحدة قد لا تعبر عن أي معنى أولا، والمعنى الواحد قد يعبر عنه بعدة كلمات مختلفة الأصوات ثانيا، والأصوات والمعاني تخضع لقانون التطور المستمر ثالثا، فقد تتطور الأصوات وتبقى المعاني سائدة، كما قد تتغير المعاني وتظل الأصوات على حالها، وهذه حجة تدحض زعم القائلين بوجود تلك المناسبة


لكن هذا لا ينفي أن يبقى قدر من الكلم يومئ بتشكيله اللفظي إلى معناه، ولعله من تلك الألفاظ التي تعد صدى لأصوات الطبيعة كما يرى دي سوسير، ولعل بعضه مما اجترحه الإنسان في اختباره للمعاني والألفاظ، وتجريده لأطر الشكل باستبطان المعاني في سيرورة اللسان والإنسان كما نجد الآن في اقتران بعض الصيغ التي تجترحها العامة بمعان عامة تكاد تومئ إليها
وقد يحدث أن يتبع المرء كلمة بكلمة أخرى تأكيدا وتقوية، ولا يخفى أن الصيغة التي ترد عليها الكلمتان واحدة، وقد يختفي المعنى من الكلمة الثانية، إذ إنها تشبه في تشكيلها الصوتي الكلمة التي عرف معناها وذاعت، ومن ذلك "حسن بسن"، وفيها يقول السيوطي:" ولهذا قال ابن دريد: سألت أبا حاتم عن معنى قولهم بسن، فقال: لا أدري ما هو" ، ولعل كلمة "بسن" توحي بتشكيلها الصوتي المشابه لكلمة حسن ما توحيه هذه الكلمة، وقد أشار القالي إلى أنه يجوز أن تكون النون في بسن زائدة فالأصل بس، وهو مصدر بسست السويقة أبست إذا لتته بسمن أو زيت، ثم حذفت إحدى السينين وزيد فيه النون، وبني على مثال حسن
وقد تتجلى الدلالة الصوتية في التنغيم الذي لا يظهر بجلاء إلا في الجانب النطقي، فقد تكون هيئته هيئة استفهام، أو تعجب، أو إخبار، وكل هذه تؤثر في المعنى المتحصل في صاحبه .
الدلالة الصرفية
تتمثل هذه الدلالة فيما تؤديه الزيادات الصرفية من معان مضافا إليها معنى الجذر المعجمي، فلو قيل: مرض الطبيب الرجل، لكان المعنى المتعين من هذا الفعل مرض مؤتلفا من معنى الجذر مضافا إليه دلالة هذه الصيغة التي تفيد القيام على المرض في هذا المقام، ولو قيل "محلب" بكسر الميم، لكان المعنى المتعين من هذا اللفظ هو دلالة حلب مضافا إليها دلالة هذه الصيغة الصرفية التي تدل على القدح الذي يحلب فيه، وإذا ما قيل محلب فإن المعنى المستفاد بالإضافة إلى معنى الجذر دلالة صيغة مفعل التي تدل على المكان الذي يحتلب فيه .
وهكذا يتبين أن لهذه القوالب الصرفية دورا في تقديم جزء من المعنى، وقد يحدث في بعض الأحيان أن تختلف هذه القوالب الصرفية دون أن يكون هذا مفضيا إلى اختلاف في المعنى، ومن ذلك مجيء صيغة "فعل وأفعل بمعنى واحد في بعض الأحيان، فيقال: محضته النصح وأمحضته النصح، والمعنى واحد . ونقول سلكته وأسلكته، قال الله عز وجل (ما سلككم في سفر)، وقال الهذلي :
حتى إذا أسلكوهم في قتائدة شلا كما تطرد الجمالة الشرد
الدلالة النحوية
يدرس علم النحو من جانبين اثنين: جانب تركيب الجملة العربية، وجانب الإعراب، ومعرفة هذين الجانبين تفضي إلى المعرفة بالدلالة النحوية، إذ إن هندسة الجملة العربية تحتم ترتيبا خاصا وفق قواعد اللغة المعمول بها، وإذا اختلفت هذه الهندسة وكان الاختلاف مخلا بقواعد اللغة فإن السامع قد يضل عن مقاصد الكلام، فلو قال قائل: ضرب موسى عيسى لاقتضى هذا التركيب الجملي أن تكون الدلالة المستفادة منه أن موسى الفاعل، وعيسى المفعول به، ولو قال آخر : هن حواج بيتِ الله لكان المعنى المتعين من هذه الحركة الإعرابية أن النساء قد حججن . وإذا ما قيل : هن حواج بيتَ الله، فإن المعنى من هذه الحركة الإعرابية أن النساء يردن الحج ولمٌا يفعلن .
وتتضح جليا ثنائية اللفظ والمعنى بمفهومهما الواسع في تحليل النحاة في سائر الأبواب، وتسود- على وجه الخصوص- حديثهم عن مقدمات التأليف النحوي الثلاث، وهي: وحدات القول، والإعراب والبناء، والنكرة والمعرفة.

والقواعد التي تقوم على اللفظ والمعنى تتمثل فيما يلي:
ا- الحمل على المعنى والحمل على اللفظ.
ب- إصلاح اللفظ.
ج- الفرق بين تقدير الإعراب وتفسير المعنى.
فأما الحمل على المعنى وعلى اللفظ، فالأول المشهور فيه أنه إعطاء الشيء الحكم اللفظي لما يشبهه في معناه.
وقد يتوجه معنى الحمل على اللفظ لما يقابل المفهوم السابق للحمل على المعنى فيكون المقصود به إعطاء الشيء حكم ما أشبهه في لفظه.
وهناك معنى آخر لكل من الحمل على المعنى والحمل على اللفظ، وهو أن يكون للشيء حكم من حيث ظاهر اللفظ وحكم آخر من حيث المعنى، فإذا روعي في الاستعمال حكم ظاهر اللفظ سمي هذا حملا على اللفظ، وإذا روعي حكم المعنى سمي هذا حملا على المعنى [28].
أما إصلاح اللفظ، فقد أفرده ابن جني بباب مستقل وجعله من قبيل تهيئة اللفظ من أجل العناية بالمعنى.
وأما الفرق بين تقدير الإعراب وتفسير المعنى، فقد ذكر ابن جني هذه القاعدة أيضا في أكثر من موضع تصريحا أو ضمنا [29]، من ذلك قولهم : زيد قائم، ربما يظن أن زيدا هنا فاعل في الصنعة كما هو فاعل في المعنى، وليس كذلك لأن الفاعل من يقع بعد الفعل ويسند إليه.
البلاغة والدلالة وتبدل المعنى
المعنى عامل مشترك بين البلاغة والدلالة، خاصة في علمي البيان والبديع بشقيه المحسنات اللفظية، والمعنوية، ونقصد من هذا المعاني المركبة التي تعطي معنى يحسن السكوت عليه، ويدل على مراد المتكلم.
وهذه المعاني تطرأ عليها تبدلات تأخذ أشكالا عدة، كما أن لها أسبابا متنوعة تندرج تحت مسميات عديدة خاصة في الدراسات البلاغية. ومن الأشكال التي تأخذها عملية انحراف المعنى أو تبدله: الشكل المنطقي، والشكل الدلالي، والشكل البلاغي.
ففي الشكل المنطقي يرى علماء الدلالة أمثال: دار مستتر، وبريل، وبول، أنه يجب أن نصنف الأشباه والنظائر في إطار منطقي وذلك وفق تفاوت تقييد وانتشار أو انتقال المعنى[30].
أما في الشكل الدلالي فإن التحليل السيميائي يقترح تسمية جديدة، ومقاييس جديدة في التصنيف، واضعا في الاعتبار سمات القضية الدلالية، وأنها قائمة على الثنائية بين الدال والمدلول، والطبيعة النفسية التداعية لعلاقاتها بشكلها الثنائي القائم على التماثل والتجاور.
والبلاغة تؤثر في تبدلات المعنى الدلالي فهي أحد روافده الفنية، ولذا نشأت علاقة وطيدة بين البلاغة وعلم الدلالة.
ويتم تبدل المعنى الدلالي في البلاغة عن طريق عدة طرق وألوان بلاغية منها: فكرة المقال والمقام، والاستعارة، والكناية، والتورية، والتشبيه، والمجاز، وجميعها يتم فيها انزلاق المعنى أو تبدله بطريقة تدخل البلاغة في علم الدلالة، فمن يدرس موضوعات علم الدلالة، لا يمكن أن يغفل هذه الألوان البلاغية باعتبارها من العوامل المؤدية لتبدلات المعنى. كما أن من يعالج الألوان البلاغية لابد أن يتعامل معها من خلال منظور علم الدلالة، خاصة تلك الألوان القائمة على تبدلات المعنى بشرط أن يكون ملما بماهية المحدد الدلالي حتى يستطيع أن يصل إلى الدلالة السياقية المرادة من الصورة البيانية أو البديعية، حيث إن لكل كلمة معنيان، المعنى الأساسي المعجمي، والمعنى السياقي الذي تأخذه الكلمة حينما توضع في سياق يحدد معنى الجملة بأكملها، وفي هذه الحالة يكون السياق مسؤؤلا عن المعنى المحدد الذي يعطى للكلمة.
فمثلا كلمة عين عندما تسمع دون أن تكون في سياق جملة محددة فإن الذهن يفهم منها عضوا من أعضاء الإنسان، ومثلها كلمة عين، لكنهما إذا دخلا في سياق حدد المعنى المراد فنقول (يد الفأس) أو (عين الماء) ولذا فإن الكلمة المفردة كلمة معجمية محددة غير قابلة للاحتمال أو التأويل، وإذا دخلت في سياق وتفاعلت مع مستخدمها فإنها تكتسب معنى آخر يريده غير المعنى الأساسي المعجمي.
وقد تكون الكلمة على سبيل الحقيقة، أو على سبيل المجاز، فعلى سبيل المجاز العقلي قولنا "رجلا اللاعب تتحركان بسرعة في الملعب"، فالمجاز ناتج عن نسبة الحركة للرجلين في حين أن المحرك الحقيقي لهما هو اللاعب نفسه الذي يستعمل قوة جسدية وذهنية في هذه الحركة. أما قولنا "للاعب رجلان قويتان" فهو على سبيل الحقيقة.
فتبدل المعنى بهذه الطريقة هو الصورة التي توجد فيها الكلمة منسجمة مع صور أخرى لكلمات غيرها، كصور الأداء، والتفكير، والإنشاء، ومناهج الأسلوب المعروفة باسم تبدلات المعنى . ومن الألوان أو الأمثلة البلاغية التي تؤدي إلى تبدلات المعنى ما يلي:
أولا: المقام والمقال
لكل مقام أسلوبه الخاص كما أن له تراكيبه القائمة على ارتباط النحو والمعاني في شكل جمل، والمقام هو ذلك الموقف الذي يتطلب نوعا من الألفاظ تجاورت بطريقة معينة كي تؤدي المعنى المراد، كما تساهم في ذلك العلاقات والأحداث والظروف الاجتماعية التي ترافق الموقف وقت أداء المقال، ولذا يعتبر مركزا من مراكز علم الدلالة الوصفية، ويعتمد المعنى الدلالي على هاتين الدعامتين (المقام والمقال) اعتمادا كبيرا لما بينهما من علاقة توضح المقصود منهما.
والمعنى المقالي يتكون من معنيين، المعنى السياقي، والمعنى الأساسي، أما المعنى المقامي، فهو الذي يتكون من ظروف أداء المقال، وتلعب الاستعارة التمثيلية أحيانا دورا في المقام فقد يستعار لمقام ما مقال مشابه ذاع واشتهر كالأمثال والحكم التي تغني المتكلم عن تركيب مقال جديد، فهو يستخدمها عند وجود عنصر المشابهة بين الموقفين، وبذلك يصير المقال القديم جزءا من المقام الجديد.
وقد أولى القدماء هذه القضية أهمية كبيرة وأفردوا لها مباحث من دراساتهم كالجرجاني والجاحظ وغيرهم. والمعنى الدلالي يشتمل على ما قامت عليه البلاغة أو نادت به واتخذته قاعدة أساسية ألا وهو لكل مقام مقال.
ثانيا: المجاز
يتم تبدل المعنى عن طريق المجاز وهو عقلي أو مرسل أو لغوي، وللمجاز عند البلاغيين القدامى أهمية قصوى في الدرس الدلالي حيث هو: استخدام اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي.
أي إن اللفظ يكتسب بالمجاز معنى جديدا غير المعنى القديم المألوف له، وهو المعروف دلاليا بانزلاق المعنى، أما القرينة المانعة فهي المحدد الدلالي الذي يساعد في فهم المعنى الجديد وإلغاء المعنى القديم.
ثالثا: الاستعارة
وهي من المجاز اللغوي، إذ إنها تشبيه حذف أحد طرفيه، فالعلاقة فيها هي المشابهة بخلاف المجاز المرسل الذي تتعدد علاقاته حسب السياق. وتعد الاستعارة بنوعيها التصريحية والمكنية وسيلة من وسائل تبدل الدلالة، فالمسمى يأخذ اسما آخر غير الذي يستعمل له عادة مثل قول الشاعر يصف امرأة تبكي:
فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت وردا وعضت على العناب بالبرد
وهي عبارة عن مجموعة من الاستعارات
التصريحية، حيث أطلق على الدموع والعيون والخدود والشفاه والأسنان أسماء اللؤلؤ والنرجس والورد والعناب والبرد. وبهذا تؤدي الاستعارة دورا في تسمية التصورات الجديدة التي ترتبط بأشياء ملموسة.
يضاف إلى عوامل تبدل المعنى الكناية والتورية، والتشبيه عند بعض الأمم التي لا تكاد تميز بين الدلالات الكلية والدلالات الخاصة.
ومما تقدم يتضح لنا العلاقة الوثيقة بين علمي البلاغة والدلالة، فكلاهما يأخذ من الآخر ويضيف إليه، فالعلاقة تبادلية قائمة على تبدلات المعنى وتغييره.
= = = = =​
 

عودة
أعلى