سوريا اليوم

مراسل صقور الأبداع من سوريا

وليد حاج عبد القادر : كلنا شركاء*

********************************************** 1 / 3

بداية وأمام ذكرى الحدث وفي مثل هذا اليوم / 5 – 10 / أنحني للثرى التي تحتضن جسدي رفيقيّ الراحلين محمد ابراهيم أبالورين ومحمد شريف أبا زيد ، وهي ـ أقصد هذه اللحظات وبقدر مافيها من الشجون فيها أيضا مخاضات لابدّ لها وأن تفرغ من محتوياتها كتجربة وشكل من أشكال النضال قمنا بها وتحملنا مسؤوليتها وبالتالي دافعنا عنها ودفعنا ضريبتها اعتقالا وسجنا . نعم كان ذلك قبل 21 سنة وكانت القيادة المشتركة لأحزابنا الثلاث آنذاك / حزب الإتحاد الشعبي الكوردي ، الموحد ، والشغيلة / قد شكلوا قيادة مشتركة وكان أيلول عام 1992 في أواخره وكإتحاد شعبي كنا مشغولين بعقد كونفرانساتنا الفرعية على مستوى مناطق الحزب عامة ، وكنت على الصعيد الشخصي على وشك السفر الى دولة الإمارات ومشغول أيضا بترتيب وضعي الوظيفي وبالتالي شرحت الموقف للرفاق في القيادة الذين رحبوا ولم يعترضوا بالمطلق وبقيت ملتزما أيضا بتنفيذ كل المهام المنوطة بي لحين سفري ، وكان اليوم الذي قدم فيه الرفيق عبدالباقي ـ أبو آشتي ـ الى الحسكة اتصل بموقع عملي قالوا له إني مجاز وبالبيت لا أحد فأخبر أكثر من رفيق صادفهم بضرورة الذهاب الى … ليلاقيني وفعلا وبالصدفة استوقفني الصديق محمد مجدل ـ أبو جوان ـ وقال أن أبو آشتي يبحث عنك وضروري جدا أن تذهب الى … لملاقاته . وتوجهت الى حيث من المفترض أن ألاقيه ولكنه كان قد عاد الى القامشلي فتبعته الى هناك ، وبشكل موجز قال لي بأننا مقدمون على خطوة عملية في ذكرى الإحصاء ، ويتمثل بتوزيع نداء على شكل منشور يلصق في الأماكن العامة ، فذكرته بالنشاطات التنظيمية وتراتبية كونفرانسات الحزب وضيق الوقت .. المهم حددنا موعدنا في يوم الأحد في 5 – 10 -1992 وطلب مني ابلاغ مسؤولي القيادة المشتركة في الحسكة وضرورة الجاهزية لهذا النشاط وعدت فورا الى الحسكة وعممت على كامل التنظيم بضرورة اخذ الحيطة والحذر ولإبعاد أية وثيقة أو كتاب أو أمر تراه السلطات الأمنية تهمة وبررت الأمر بخشية الحزب من اعتقالات متوقعة ومداهمات وأخبرت مسؤولي الحزبين الحليفين أيضا بنفس الأمر ومن ثم توجهت بمعية رفيق آخر الى إحدى قرى الدرباسية حيث كان موعدنا المسبق وكونفرانس فرعيتها حيث أدرناها والرفيق محمود عمو وأوصينا الرفاق أيضا محذرينهم من جديد وكان اليوم الثاني لكونفراس ـ سري كاني يي ـ

ومن ثم عدنا الى الحسكة حيث عقدنا اجتماعين منفصلين مع فرعي الحزب في الحسكة ووزعنا المهام والمحاذير واستلام الدفاتر والوثائق والإرشيف الخاص بالتنظيم وسلمت لي لأسلمها بدوري وبمعرفة قيادي آخر لواحد من أعضاء الفرع مع التركيز الشديد بإخفاءه في حفرة بالعراء وطلبنا منهم إخبار القواعد فيما إذا تمّ تكليفهم من قبلي شخصيا بمهمة ما فعليهم تنفيذها من دون العودة الى مسؤوليهم المباشرين ، وبطبيعة الحال كان هناك موعد محدد لكونفرانس فرعي الحسكة في يوم العاشر من نفس الشهر وسأبقى فخورا مدى عمري برفاقي وتلك الثقة الغالية بإنجازهم للكونفرانس وبموعده ومكانه بالرغم من كوني كنت معتقلا عند الأمن العسكري قبلها بثلاثة أيام . المهم وفي العودة الى المجريات قدم الرفيق أبو آشتي يوم الأحد / 5 – 10 – 1992 / الساعة الخامسة وقد جلب معه رزمة من المنشور / الملصق الذي سيتم توزيعه والصاقه ، وطبيعي أن يكون الإجتماع على مستوى مسؤولي الأحزاب الثلاثة في المدينة وريفها / من كل حزب شخصين / ولكن حضر فقط الصديق دارا تيريز من قبل الموحد وأبو سربست كان غائبا في القرية ومن الشغيلة أيضا شخص واحد ، وفي الإجتماع أصريت كممثل لحزبي في الحسكة أن نوزع الأحياء والمراكز على الأحزاب وأن يغطي كل حزب منطقته المحددة وتحت طائلة المحاسبة وبالرغم من تحفظ الرفيقين إلا أنه وأمام إصراري ومبرراتي للحفاظ على هياكل الأحزاب وقواعدها وصون الرفاق من الإستجوابات والإعتقالات وفعلا توافقنا ، وهنا يجدر تثبيت تجاوب الرفاق وتغطية الحدث / المنطقة ومن ثم توزيع المناشير لتغطي غالبية الأحياء والمرافق العامة و … لتبدأ في نفس الليلة حركة سيارات الأجهزة الأمنية والمتابعة وكنت واثقا منذ اللحظات الأولى بأنني ساكون مستهدفا سواءا كإعتقال أو استجواب / وفعلا كنت قد أوصيت والدتي رحمة الله عليها وبحضور أخي الراحل هشيار وأخي الصغير حمودي بإبلاغ الوالد وبقية أخوتي بعدم السعي لأي حل أو خلاص فردي لي / وفعلا كنت استطيع تمييز سياراتهم من خلال شقوق ـ الأباجور ـ وطبعا كان اليوم التالي عطلة وكنت قد نبهت الرفاق كلهم بعدم الإتصال مطلقا بي ومع نزولي من بيتي كان أحدهم وهو من الجوار وعربي يتبع خطاي ، وعند زاوية البيت التقيت مع الصديق سليمان سليم ومعه شخص آخر من الدرباسية ، وبادرني الصديق سليم أصحيح هناك منشور / ملصق تم توزيعه باسم القيادة المشتركة أم هو تلفيق ؟ قلت له صحيح ونحن نفذناه ونتحمّل مسؤوليته .. مضت أيام عصيبة وفعلا كنت أحسّ بأن نفسي مراقب من قبلهم وعند نزولي من البيت لابل وحتى حركتي في الشارع وفي يوم 11_ 10 قدمت سيارة للأمن العسكري وكانت الساعة حوالي الثالثة وطلبوا مني مرافقتهم الى قسمهم وبقيت عندهم برفقة صديقين عزيزين / الصديق ابراهيم محمد علي والصديق محمد خير أبو ليلاف / وهنا وللحق ثبت لي ومن خلال تحقيقات الضابط لنا بأنهم لايملكون سوى معلومات جدا شحيحة وعامة ، لابل وتلك المعلومات بدت متناقضة أيضا والأهم بأنهم ماكانوا يعرفون اسمي الصريح أيضا سوى اللقب ـ أبو شيندا ـ وأنه ـ الضابط ـ عرف اسمي من خلال استجواب صديق لي في حزب آخر حسبما صرح لي هو بذلك شخصيا في زنزانة الأمن العسكري حيث لمحته لحظة ادخالي الى غرفة انتظار مقابلة الضابط وبعد فاصل التحقيق الأول أنزلوني الى نظارة في القبو ولألتقي به وبالصديق ابراهيم محمد علي وسألته : شو اللي جابك ؟

قال : جلبوني من المدرسة ـ هو مدرس ـ واتهموني بالإنتماء الى حزب … وأنكرت وسألني الضابط : ستقول بأنك لاتعرف أبو شيندا ايضا ؟ وتابع قائلا : أجبت بأنني أعرفه وهو زميلي في الجامعة بقسم الجغرافية وللحق كان هذا هو الإتفاق المسبق بيني وبينه سابقا فيما إذا ما تعرّض واحد منّا لإستجواب أمني أو ماشابه .. وبالعودة الى رده حيث قال للضابط نعم أعرفه .. وهل هو مدرس ؟ .. لا !! موظف بشركة الرصافة .

وما اسمه ؟ وليد . وهكذا تم جلبي .. ثلاثة وجبات من التحقيق من قبل رئيس القسم نفسه وفي كلّ مرّة معنوياتنا ترتفع بسبب تناقضات معلوماتهم وبعدها التام عن الواقع وليقع الضابط نفسه في الفخ وكان ذلك في اليوم الثالث من الإعتقال عندما تقصّد أن يريني نسخا مصوّرة لمنشورات عدّة أحزاب كوردية ومن ثمّ أخذ يتلو ورقة ما على اساس أنه نداء وزعه حزب الإتحاد الشعبي الكوردي ـ جناح فؤاد عليكو حسب تعريفهم والنداء موجه الى القوى الوطنية والديمقراطية وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية تدعوهم للضغط على السلطة لإطلاق سراح سكرتير اللجنة المركزية ـ لحزبنا ـ المناضل محمد وليد حاج حسين … وطبيعي أن التقط المقلب وببساطة ومن ثم ليكون ردي فيه نوع من التهكم !! كيف أن الحزب إياه مطوّب بإسم فؤاد عليكو وأنت تتهمني بأنني سكرتير ؟ . وضعونا الثلاثة في زنزانة ضيقة جدا وحارة الى درجة الإختناق وكانت تذكرني بكل دقيقة بصهريج غسان كنفاني وللحق فقد كان زميلاي وإن كانا نضّين بعد على الإستجوابات والإعتقالات ومطيعين جدا لتعليماتي وتحاذيري لابل وأحيانا على ردات فعلي العصبية عليهما بالرغم من المعاناة الشخصية لكليهما فواحدهما كان قد تطلّق وهو لما يزل يعشق مطلقته والآخر جلبوه من وسط حقل القطن والعمال فيها يقطفونها وكان الأهم هو ابنته الصغيرة ـ ليلاف ـ والتي لربما كان همه ومعشوقته لابل وزفرات دمعه الأساس .

وبكل ثقة أقول : لقد خضناها ـ ثلاثتنا ـ تجربة الإعتقال والإستجوابات الكيفية وبصمود الى أن كان يوم الجمعة وأظنني كنا قد أمضيا 14 يوما عندهم حينما قدم واحد من المساعدين وطلب منّا نفض البطانيات وتنظيف الزنزانة / الصهريج و … هيا الى الضابط الذي استقبلنا في ساحة القسم وقال موجها كلامه لي : شوف والله كل واحد منكم عضو في حزب ولكن مع هذا لم تردنا أوامر لإعتقالكم ولكنكم سوف تندمون على هذه الأيام .. هيا الى بيوتكم وعليكم مراجعتنا غدا في السابعة مساءا .. واستمر هذا الأمر لأيام أذهب واجلس منتظرا الى التاسعة وليطلب مني سكرتيره بالإنصراف والقدوم غدا ، وفي آخر مرّة قلت لسكرتيره أريد مقابلته .. هو لايريد … يجب أن أقابله ليخرج هو وقال ماذا تريد ؟ قلت له طريق الزنزانة أعرفها ، إذا كانت لك عليّ شيء ما سأذهب بنفسي وإلا فأنني من الغد لن آتي إلا إذا أرسلت دورية لجلبي .

ردّ عليّ وماذا يزعجك في القدوم ؟ بيتك قريب من هنا .. قلت أنا محتاج للسفر ولدي مراجعة طبية في حلب قال : متى تريد الذهاب ؟ قلت من الليلة .. قال إذن معك ثلاثة أيام وفور قدومك عليك مراجعتي أنا بالذات و .. سافرت الى حلب وخلال يومين كنت كجمرة متقدة وفي قلق شديد ، طلب مني الوالد الذي كان معي في حلب أن استعد للذهاب الى اللاذقية عدة أيام حتى تهدأ الأوضاع قليلا قلت : والأصدقاء والرفاق ؟ غدا مجرد حصولي على نتيجة التحاليل سأسافر وفعلا من عيادة الدكتور الى قطع التذكرة ووداع الوالد والعودة الى الحسكة ومجرد فتحي لباب البيت وكنت لم أشعل الضوء بعد رنّ جرس الهاتف ورفعت السماعة ولامن رد ن في اليوم التالي نزلت الى العمل فقدمت سيارة لأمن الدولة ليقتادوني الى قسمهم والى غرفة رئيس القسم أبو أحمد السلومي ومن حظي كان والده موجودا ويعرفنا جيدا وبعد السلام توجه ابو أحمد الى والده وهو يقول : هذا ابن الحجي وهو المسؤول عن كل هذه المنشورات التي تم توزيعها .

ردّ عليه والده وقال : ابن الحجي ما يعملها وبالرغم من الحاح ابنه عليه ليذهب الى البيت إلا أنه قال بعد أن يروح ـ جريفي ـ فأرسلني الى غرفة أخرى وطالبهم معاملتي برواق جدا وظننتها توصية لإجراء اللازم المتفق عليه . سألوه يعني كهرباء و .. قاطعهم لا ياعمي فقط ذاتيته وأعيدوه الي وبعدها جلست عنده حوالي الساعة أيضا لينهض ويقول لي يمكنك الإنصراف وخرج معي الى الباب وقال لي بالحرف أنصحك أن تسلّم نفسك عندنا ، فضحكت وقلت : وماذا فعلت لأسلّم نفسي عندكم ؟ قال ستتذكر كلامي هذا ..

ومجرد خروجي تيقنت بقوّة بأن الإعتقال قادم لامحالة خصوصا وكنت قد علمت بأن الأمن السياسي قد استجوب أحدهم وبتّ ولازلت أجزم بان الأمن السياسي قد اخترق أو نال بعض المعلومات وبعدها تمّ اعتقال الصديقين دارا تيريز ويونس حمي أبو سربست وكذلك بعض الرفاق من منطقة ـ سري كاني يي ـ . وصارت ملامح متابعتي ومراقبتي تتضح وأتلمسها تماما بشخوصها الى أن كانت ليلة 31 – 10 حيث تم اعتقال رفيقي المهندس بشير أبو كاوا من منزل والد زوجته التي كانت قد أنجبت طفلها قبل ذلك بعشرة أيام وللأسف لم يتم إعلامي بالخبر حسب المتفق عليه لذا ذهبت الى عملي بشكل طبيعي صبيحة 1 – 11 ومن جديد أكاد أجزم بأنّه كان شبه كمين لي ـ مع أنه لم يكن لدينا قرار بالإختباء أو الفرار ـ حيث تم اقتيادي من قبل دورية للأمن السياسي ولتبدأ رحلة السنتين ومآلات الزنزانات وغرف التحقيق بطماشاتها حيث تم وضعي في غرفة حوالي الساعة وبعدها وضعوا الطماشة على عيني واقتادوني كالأعمى الى ردهة وجلبوا أحدهم وتمّ تشبيك يدينا بالأصفاد ومن طرف الطماشة لمحت لون البنطلون الرصاصي فعرفت بأنّه هو أبو كاوا وضغطت بسلعدي والتقط هو أيضا الرسالة ومن ثمّ اقتادونا الى سيارة اتجهت بنا صوب مجهول بدأت مع حركتها الخواطر والأفكار تتواتر والحدس فعلا تاه ! عجبا !! هل نحن متجهون الى ديرالزور ومنها الشام ؟

أم هي قامشلو فقط لحظة ما وقفت السيارة عرفنا بأننا في فرع قامشلو ومبنى مديرية الحبوب القديم …
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى