سوريا اليوم

مراسل صقور الأبداع من سوريا

عصام خوري : جريدة الجمهورية

أنهك طرفا النزاع في سوريا خلال العامين الماضيين، وفاق عدد القتلى 100 ألف قتيل موثقة أسماؤهم، مع توقع وجود ما يزيد عن 50 ألف قتيل مجهولي الهوية، كما انهارت العملة السورية في سوق الصرف، وتدمّر العديد من البنى التحتية، وأصبح من الصعب توفير بدائل ممكنة للإصلاح أو حتى للمصالحة، خصوصاً وأنّ عدد النازحين فاق 800 ألف نازح لدول الجوار ونحو 4.5 مليون نازح داخلي.

مجمل هذا الوضع المأسوي، أثبت أنّ سيناريو حسم عسكري نهائي هو أمر طويل الأمد، ومن المستحيل تحقيقه، وهذا بالطبع وجّه صفعة “لإخوان سوريا” الذين أرادوا أن يثأروا من العلويين، كما مثل أيضاً صفعة للرئيس الشاب، الذي ظن أنّه يستطيع تحقيق انتصار على المجتمع الدولي الراغب في إقصائه.</p> الفئة السياسية الوحيدة التي استطاعت الكسب من تفاقم الوضع العسكري والأمني في سوريا، كانت الفئة المعتدلة من معارضة الخارج، وقد سعت هذه الفئة لتنظيم نفسها ضمن تجمّع ديموقراطي تحت قيادة الكاتب ميشيل كيلو، وحصلت هذه الفئة على تجمّع تمثيلي في الإئتلاف، مكوّن إلى جانب كيلو، من كمال اللبواني، أحمد عاصي الجربا، فايز سارة، منذر آق بيق، عالية منصور، قاسم الخطيب، سهير أتاسي، هادي البحرة، بسام الملك، مالك أسعد، نغم الغادري، نورا الأمير، فرح أتاسي، وليد البني، سميرة مسالمة، جمال سليمان، أيمن الأسود، جابر زعين، ريما فليحان، بسام يوسف، زكريا السقال، محمد الدندل، وتحالفت مع 11 شخصاً من تجمّع ممثلي الجيش الحر، كما تحالفوا مع تجمّع المعارض “لؤي الصافي”، واستطاعوا جميعاً إنجاح مرشحهم الشيخ أحمد عاصي الجربا، ليقصوا بذلك المعارض “مصطفى الصباغ” المحسوب على حكومة قطر.

إنتخاب الجربا كرئيس للإئتلاف قبل انعقاد مؤتمر”جنيف2″ يُعطي الإنطباعات التالية :

- إحدى أهم مطالب المجتمع الدولي كانت عدم استئثار الإسلام السياسي بالمعارضة السورية وإقصائها لباقي أطياف المجتمع، وهذا ما تم عبر دخول مجموعة القائمة الديموقراطية بقيادة كيلو بكتلة كبيرة “23 عضواً” فيها تنوع طائفي كبير.

- إنتصار مجموعة القائمة الديموقراطية بإيصال مرشحهم لقيادة الإئتلاف يعطي انطباعاً واضحاً أن كتلة جيدة من الإسلاميين تريد خطاً متوازناً يراضي كل أطياف المجتمع السوري، ويقلّص من حجم التطرف الذي تنامى في الأشهر الماضية عبر دخول تنظيمات جهادية متطرفة كالقاعدة، ودولة العراق الإسلامية…

- إختيار “الجربا” زعيم عشائر “شمر” المحبوب من عشائر الموصل والأنبار في العراق، وله تقدير عالي من الأحزاب الكردية السورية، يعطي انطباعاً بإمكان ضبط حال الحقد الإجتماعية في مناطق الجزيرة السورية العليا.

- وصول الجربا المدعوم من المملكة العربية السعودية، يعيد للذاكرة أهمية المحور العربي التاريخي الداعم لمشروع الإعتدال العربي والإسلامي (سوريا، مصر، السعودية) وهو محور معتدل إذا ما قورن بالمحور “التركي – القطري” الذي دعم التيارات السلفية الجهادية، وهذا المحور حالياً هو الأنسب لمشروع تفاوضي حول ما سيثمر عنه مؤتمر “جنيف2″.

- الجربا هو مسؤول لجنة التسليح في الإئتلاف، أي أنّه على دراية بكلّ التشكيلات الإسلامية الجهادية، والمعتدلة منها.

- القائمة الديموقراطية هي شريك سياسي داعم للجيش الحرّ بتياره المعتدل المتمثل باللواء سليم إدريس.

بعد انتخاب الجربا، سعى الإئتلاف إلى تشكيل هيئة سياسية من الأسماء التالية: (أحمد عاصي الجربا، محمد فاروق طيفور، سهير الأتاسي، سالم المسلط، بدر جاموس، لؤي صافي، عبد الباسط سيدا، موفق نيربية، ميشيل كيلو، كمال اللبواني، هادي البحرة، أنس العبدة، فايز سارة، منى مصطفى، زكريا صقال، نذير الحكيم، أكرم العساف، منذر ماخوس، أحمد رمضان) التي يتوقع أن تجتمع كل شهر، لدراسة الخطوات الواجب اتخاذها.

تغيّرات الموقف الإقليمي:

لا يمكن فصل التحول في الإئتلاف الوطني سياسياً، عن متغيّرَين شديدَي الأهمية وهما:

- تنحّي الأمير حمد عن الرئاسة لإبنه الشاب، والمعروف أنّ الشيخ تميم ميّال للدعم الإغاثي من دعم التسليح الذي كان يقوم به والده.

- نجاح الرئيس الإصلاحي روحاني في الإنتخابات الإيرانية، وتصريحه أنّ أولوياته تكمن في كسر العزلة ودعم الإقتصاد الإيراني.

من هذين المتغيرين ندرك أنّ الدعم المالي من الطرفين القطري والإيراني تقلّص إن لم يتوقف، وهذا يعكس النتائج التالية:

- خسارة المعارضة مناطق حيوية على أطراف لبنان (القُصير) نتيجة نقص الذخيرة والإمداد المالي واللوجستي.

- خسارة الجيش السوري حواجز عسكرية في مناطق الشمال وقرب حلب.

- خسارة العملة السورية خلال فترة 20/6/2013 حتى 77/2013 ما يقارب 100 ليرة سورية.

هذه النتائج تعطي تصوراً مستقبلياً جديداً للحدث، يمكن تلخيصه بالتصورات التالية:

- الواقع الإقتصادي في حال انهيار مستمر، ما لم يحدث توافق سياسي في “جنيف2″، يسمح بتمرير مشاريع دعم للإعمار، تساعد الإقتصاد السوري على المقاومة.

- قوة الجيش السوري باتت محدودة، وهو لا يمتلك قوات قادرة على استعادة مناطق جغرافية كبيرة، لذا هو يستعين بمقاتلي “حزب الله” وبعض الميليشيات العراقية (لواء أبو الفضل العباس) لتحقيق وجود له في مناطق ذات قوة نيرانية كبيرة مثل “السيدة زينب، الغوطة الشرقية، القصير”.

- النظام متمسك بالعاصمة دمشق حتى الرمق الأخير.

- مدينة حلب قد تصبح أضخم مدينة تابعة للجيش الحر، إن استمر الأخير في حصارها.

- قد تحدث مجازر طائفية في قرى الزاهرة ونبل في ريف حلب، إن لم ينجح مؤتمر جنيف2 باعتماد مشروع مصالحة حقيقي.

من الرابح في “جنيف2″؟

ربما تكون ورقة السلطة الرئيسة في المؤتمر حاملة للهدف التالي: (القبول بحكومة انتقالية، على أن يستمر الرئيس الأسد في قيادة الدولة، مع المحافظة على جهازي الأمن والجيش)، فيما ستكون ورقة المعارضة الرئيسة (القبول بحكومة وحدة وطنية إنتقالية ذات صلاحيات كاملة لحين القيام بانتخابات مبكرة تُجرى تحت إشراف دولي) فعلياً، كلا الورقتين لا تعنيان الشعب بشيء، فإن ذهب الأسد أو لم يذهب، فالبلاد غارقة بالفوضى، وعملية ضبطها تحتاج لنضج أوسع من ملف عزل الرئيس أو الإبقاء عليه، لكن للأسف، فإن كلا طرفي النزاع السياسي هما من الرعيل القديم الذي يتعاطى بمبدأ “إما كل شيء أو لا شيء”، وهذا في حد ذاته كارثة في عالم السياسة.

من هنا يجب الإشارة إلى ملفات خطرة، على طرفي النزاع المتفاوضين حملها في جعبتهما قبل ذهابهما إلى المؤتمر، ومن أبرزها: كيف سيتم التعاطي مع ملف الإرهاب والأمن في سوريا؟ وماذا سيحل بعناصر الشبيحة واللجان الشعبية، والكتائب الإسلامية التي تعود بشرعيتها لمحاكم شرعية خاصة؟ وكيف ستتم معالجة ملف ضبط الحدود السورية، وما هي الضمانات الإقليمة التي من الممكن أن تقدّمها دول الجوار؟

وكيف سيتعامل المتفاوضون مع ملفات الأقليات القومية “الأكراد، الأشوريين، السريان، الأرمن، الشركس”؟وكيف ستتعاطى المتفاوضون مع ملف الديون لهدف إعادة الإعمار؟ وكيف سيتعاطى المتفاوضون مع ملفات إعادة الآثار المهربة خلال المعارك؟

- ضرورة توثيق حجم الدمار للتفاوض مع مجموعتي “البريكس، أصدقاء سوريا” حول المنح التي من الممكن أن تُقدّم لإعادة الإعمار.

- توضيح مشروع العدالة الإنتقالية الذي يجب أن يترافق مع مشاريع المصالحة الوطنية والشعبية.

- واقع المرأة ومشاركتها السياسية المستقبلية.

- حماية الأطفال من الآثار النفسية التي خلّفتها الحرب.

وهذا الأمر يتطلب من المتفاوضين أن يكونوا خبراء في مجالات العلاقات الدولية والإقليمية “الجيو- بوليتيك، الجغرافية السياسية” وحقوق الإنسان، والقانون الدولي والتشريع المحلي والاقتصاد وخبراء في مجال البنك الدولي والبورصة والمصالحة وشبكات الأمان الإجتماعية.


في غياب هذه البنود، سيكون مؤتمر”جنيف2″ مؤتمراً فاشلاً، ومحدوداً بإشكالية واحدة، وهي الرئيس السوري. لذا على الأفرقاء تجهيز ملفاتهم بجدية، علّهم يكسبوا يوماً ما إحترام الشعب الذي عانى ويلات الحرب الأهلية على مدى الشهور الماضية.
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى