بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني الأعزاء أخواتي الفاضلات
يكثر السؤال في رمضان عن الأكل أو الشرب أثناء أذان الفجر وقبل أذان المغرب؟ وبيان ذلك: إن وقت الصوم من حين يطلع الفجر المستطير المنتشر في الأفق إلى غروب الشمس(1) بالاتفاق؛ لثبوت ذلك في القرآن الكريم، كما في قوله – جل جلاله -: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}البقرة: 187.
ومعنى الخيط الأبيض والأسود بيَّنه النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – في حديث عَدي بن حاتم – رضي الله عنه – قال: ((لَمَّا نزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، قال له عَدي بن حاتم: يا رسول الله إني أجعل تحت وسادتي عقالين: عقالاً أبيض وعقالاً أسود أعرف الليل من النهار ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: إن وسادتك لعريض، إنما هو سواد الليل وبياض النهار))(2).
__________
(1) ينظر: ((الفتاوى الهندية))(1: 194)، وغيرها.
(2) في ((صحيح البخاري))(2: 676)، و((صحيح مسلم))(2: 766)، وغيرهما.
[/CENTER]​
فالفجر فجران: كاذب تسميه العرب ذنب السرحان، وهو البياض الذي يبدو في السماء طولاً ويعقبه ظلام، والفجر الصادق: وهو البياض المنتشر في الأفق، فبطلوع الفجر الكاذب لا يحرم الأكل على الصائم ما لم يطلع الفجر الصادق؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا وحكاه حماد بيديه قال: يعني معترضاً))(1)، وفي رواية: ((لا يمنعن أذان بلال أحداً منكم من سحوره، فإنه ينادي أو يؤذن لينتبه نائمكم ويرجع قائمكم، قال: وليس أن يقول يعني الصبح: هكذا، أو قال: هكذا ولكن حتى يقول: هكذا وهكذا، يعني طولاً، ولكن هكذا يعني عرضاً))(2)(3).
ولظهور معنى الآية، وكثرة الأحاديث في الباب فقد أجمع الفقهاء على اعتبار الفجر الثاني هو المراد في الصيام وحرمة الأكل، قال الإمام النَّوويّ(4): ((الدخول في الصوم بطلوع الفجر وتحريم الطعام والشراب والجماع به هو مذهبنا ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمَن بعدهم)).
وقال أبو الوليد الباجي(5): ((أباح الأكل والشرب في وقت يؤذن فيه بلال، ولا خلاف أنه لا يجوز الأكل بعد طلوع الفجر)).
وأما الفجر الأول فلا يتعلّق به شيء من الأحكام الشرعية بالاتفاق، قال الإمام النَّوويّ(6): ((إن الأحكام المتعلّقة بالفجر تتعلق كلها بالفجر الثاني, ولا يتعلَّق بالفجر الأول الكاذب شيء من الأحكام بإجماع المسلمين)).
__________
(1) في ((صحيح مسلم))(2: 770)، وغيره.
(2) في ((صحيح ابن خزيمة))(3: 210)، وغيره.
(3) ينظر: ((المبسوط))(1: 141).

ومعلوم أن الأذانين في وقت الفجر هنَّ سنة النبي – صلى الله عليه وسلم -، فالأذان الأول قبل دخول الوقت للتنبيه على قرب دخوله لا غير، ولا يتعلّق به شيء من الأحكام من أكل وشراب وصيام وصلاة وغيرها، بخلاف الأذان الثاني فإن يكون عند طلوع الفجر الصادق، وهو إعلام للناس بدخول وقت الفجر؛ ليصوموا ويصلوا وغيرهما.
فكون الأذان علامة طلوع الفجر هو ما فعله النبي – صلى الله عليه وسلم -، فلم يكلف كلّ واحد من الناس بمراقبة الفجر، وإنما اكتف بفعل واحد ليبلغ الآخرين بالدخول، وهو ما فهمه الصحابة – رضي الله عنهم – منه – صلى الله عليه وسلم -، حيث اعتبروا الأذان في الصيام والصلاة، كما يبيِّنه قوله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير)).
وما تفعله الجهات المختصّة بتكوين لجان شرعية وفلكية لحساب أوقات الصلوات، وتقديمها للمسلمين؛ ليسهل عليهم تعرف أوقات الأذان؛ لهو خدمة جليلة لدين الله – جل جلاله -، وتيسير التزام أحكامه على المؤمين بعدما تطور المدنية العصرية، وكثرة العمارات وتزاحمها، وكبر المدن، وانتشار الكهرباء، بما يمنع مراقبة أوقات الأذان، كما هو الحال لمن يعيش في البادية.
وهذه التقاويم ((الرزنامات)) وإن جاز إطلق البدعة عليها، فهي بدعة حسنة لا محالة، كتأليف الكتب، وبناء المدارس، وغيرها من المحاسن التي فعلت بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لخدمة دين الله – جل جلاله – وحفظه.
ونحن مكلَّفون في تحديد الفجر بغلبة الظنّ، وهذا ما في وسعنا، وغلبة الظن الواقعة من لجان متخصصة في المواقيت أدق وأفضل من الغلبة الواقعة من شخص واحد لا خبرة له في هذا.
فالمعتمد عند الفقهاء أن يكون الصوم بأول دخول الفجر، ويكون بمجرد بدء المؤذِّن بالأذان، قال الإمام النَّووي(1): ((ويصير متلبساً بالصوم بأول طلوع الفجر, والمرادُ الطلوع الذي يظهر لنا لا الذي في نفس الأمر)).
وبهذا يتبيَّن الأكل والشرب عند الأذان الثاني بالإجماع بين الفقهاء المعتبرين في المذاهب الأربعة، ومَن أكل أو شرب أثناء الأذان بأن بلع لقمة في فمه ولم يخرجها فإنه يجب عليه القضاء والكفارة، ومَن راجع كتب الفقهاء وحد عشرات الفروع المبنية على ذلك، بما يحتم اعتبار بدء الصيام بمجرد الطلوع والأذان، قال الإمام النووي(2): ((مَن طلع الفجر، وفي فيه طعام فليلفظه ويتمّ صومه, فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه, وهذا لا خلاف فيه)).
وفي ((الهدية العلائية))(3): ((لو نزع المجامع ذكره في الحال عند طلوع الفجر وإن أمنى بعد النزع فلا يفسد صومه، أما لو مكث من غير نزع ولم يتحرك قضى، وإن حرّك نفسه قضى وكفَّر)).
ولو رمى اللقمة من فيه عند طلوع الفجر، فإنه لا يفسد صومه، أما لو ابتلع اللقمة فإن كان ابتلاع اللقمة قبل أن يخرج اللقمة من فمه يقضي ويكفر(4).
قال الشيخ النعاس(5): ((من أراد الصوم فرضاً أو نفلاً عليه أن يمتنع عن الطعام والشراب قبل أذان الفج، فإذا أكل وشرب ومؤذن الفجر قال: الله أكبر عند طلوع الفجر فقد أفطر، وإذا لفظ ما في فمه ولم يبتلعه فصيامه صحيح إن شاء الله تعالى.
__________
(1) في ((المجموع))(6: 323).
(2) في ((المجموع))(6: 333).
(3) ص163).
(4) ينظر: ((المبسوط))(3: 141)، و((الدر المختار))(2: 99)، و((بدائع الصنائع))(2: 95)، وغيرها.

أما إذا ابتلع الطعام أو الشراب بعد سماع التكبير وكان ذلك عند طلوع الفجر فقد أفطر، فإن كان صومه فريضة فعليه إمساك بقية اليوم ثم قضاء هذا اليوم ثم الكفارة، وهي صيام شهرين متتابعين هذا عند السادة الحنفية، وعند السادة الشافعية عليه القضاء دون كفارة.
وأما إذا كان صومه قضاء فلا يمسك بقية يومه ولكن عليه القضاء دون الكفارة، وإذا كان يريد صيام نافلة فأكل أو شرب عند بداية الأذان فلا شيء عليه، ولا يعتبر صائماً)).
وأما اغترار بعضهم بظاهر حديث: ((إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه))(1) بجواز الأكل والشرب وإن طلع الفجر وأذن، فليس في محلّه لمخالفته إجماع الفقهاء كما سبق.
ولذلك ورد في ((فتاوى قطاع الإفتاء بالكويت))(2): ((لم يأخذ أحد من العلماء بظاهر هذا الحديث فيما نعلم، وهو محمولٌ عند الجمهور على أن المراد بالأذان في هذا الحديث إن صح هو الأذان الأول، أو يحمل على حالة مَن لم يتأكّد من طلوع الفجر، أما إذا تأكد من طلوع الفجر فليس له أن يأكل أو يشرب؛ لقوله – جل جلاله -: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}البقرة: 187)).
وإجمال ما أجاب به السادة الفقهاء على هذا الحديث يتلخص فيما يلي:
__________
(1) في ((المستدرك))(1: 320، 323، 588)، وقال: ((صحيح على شرط مسلم))، و((سنن البيهقي الكبير))(4: 218)، و((سنن الدارقطني))(2: 165)، و((سنن أبي داود))(2: 302)، و((مسند أحمد))(2: 510)، وغيرها.

إن كبار الحفاظ صرحوا بعدم صحته بطريقيه، قال الحافظ أبو حاتم الرازي: ((هذان الحديثان ليسا بصحيحين، أما حديث عمار فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – موقوف، وعمار ثقة، والحديث الآخر ليس بصحيح))(1).
إنه في ظاهره مخالف للقرآن في قوله – جل جلاله -: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}البقرة: 187.
إن المراد بالنداء نداء بلال، قال العلامة العلقمي: ((قيل: المراد بالنداء أذان بلال الأول؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)…)) (2).
قال الحافظ البيقهي – رضي الله عنه -(3): ((وهذا إن صح فهو محمول عند عوام أهل العلم على أنه – صلى الله عليه وسلم – علم أن المنادي كان ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر… ليكون موافقاً … لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يمنعن أحداً منكم أذان بلال من سحوره فإنّما ينادي؛ ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم)).)).
إن المراد تيقُّن عدم طلوع الفجر أو الشَّكّ، قال العلامة العزيزي(4): ((والمعنى أنه يُباح له أن يأكلَ ويشربَ حتى يتبيَّنَ له دخول الفجر الصادق باليقين، والظاهر أن الظنَّ به الغالب ملحق باليقين هنا، أما الشاك في طلوع الفجر وبقاء الليل إذا تردد فيهما، فقال أصحابنا: يجوز له الأكل؛ لأن الأصل بقاء الليل، قال النووي وغيره: إن الأصحاب اتفقوا على ذلك، وممَّن صرَّحَ به الدارمي والبندنيجي وخلائق لا يحصون)).
__________
(1) ينظر: ((علل ابن أبي حاتم))(1: 123، 1: 256).
(2) ينظر: ((السراج المنير))(1: 144)، وغيره.
(3) في ((سننه الكبير))(4: 218).

وقال العلامة ابن مفلح(1): ((فإن صحّ فمعناه أنه لم يتحقَّق طلوع الفجر)).
وقال الإمام القاري: ((وهذا إذا علم أو ظن عدم الطلوع))، وقال ابن ملك: ((وهذا إذا لم يعلم طلوع الصبح، أما إذا عَلِمَ أنه قد طلع أو شَكَّ فيه فلا))(2).
إن المرادَ بالنداء نداء المغرب، قال الإمامُ المناوي: ((والمرادُ إذا سَمِع الصائمُ الأذان للمغرب))(3)، وقال العلامة محمد يحيى: ((إن كان المرادُ بالنداء نداء المغرب فالمعنى ظاهر، وهو أنه لا ينبغي له أن ينتظرَ بعد الغروب شيئاً من تمام النداء أو غيره، بل يجب له المسارعة في الإفطار))(4).
إن الأكل متعلق بالفجر لا بالأذان، قال العلامة السهارنفوري(5): ((والأولى في تأويل هذا الحديث أن يقال: إن هذا القول أشار به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى أن تحريم الأكل متعلّق بالفجر لا بالأذان، فإن المؤذن قد يبادر بالأذان قبل الفجر فلا عبرة بالأذان إذا لم يعلم طلوع الفجر، وهذا الحكم للعارفين بالفجر، وأما العوام الذين لا يعرفون فعليهم بالاحتياط، والله تعالى أعلم)).
__________
(1) في ((الفروع))(3: 70).
(2) ينظر: (((بذل المجهود بشرح سنن أبي داود))(11: 152)، وغيره.
(3) ينظر: ((السراج المنير شرج الجامع الصغير))(1: 144)، وغيره.
(4) ينظر: ((بذل المجهود))(11: 152)، وغيره.

وقال العلامة محمد يحيى: ((إن أريد بها نداء صلاة الفجر، فالمعنى أن النداء لا يعتد به، وإنما المناط هو الفجر، فلو أذن المؤذن والصائم يعلم أن الفجر لم ينبلج بعد، فليس له أن يضعه من يده حتى يقضي حاجته، هذا وقد ذهب به وبما يشير إليه قوله- جل جلاله – : { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} البقرة: 187 إلى أن المرادَ هو التبيّن دون نفس انبلاج الفجر، وهو أولى بحال العوام نظراً إلى تيسير الشرع، فإن أكثر الخواص أيضاً عاجزون عن درك حقيقته، فكيف لغير الخواص، فإباطة الأمر بنفس الانبلاج لا يخلو عن إحراج وتكليف))(1).
إنه محمول على غير الصوم، قال العلامة محمد يحيى: ((لك أن تحمل الرواية على غير حالة الصوم، فلا تتعلق هي بالفجر ولا بالمغرب، بل هي واردة على أمر الصلاة كورود قوله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا حضرت العشاء وأقيمت العشاء فابدءوا بالعشاء))(2)، فإنهما سيقا على نمط واحد، والمرعي فيهما قطع بال المصلي عن الاشتغال بغير أمر الصلاة، فكما أنها واردة بقضاء حاجته، فكذلك هي واردة بقضاء حاجته من الشراب فلا يلزم ما لزم، والله تعالى أعلم))(3).
__________
(1) ينظر: ((بذل المجهود))(11: 152)، وغيره.
(2) في ((مسند إسحاق بن راهويه))(2: 120)، وينظر: ((التمهيد))(6: 320)، و((تهذيب الكمال))(14: 302).

ومما يتعلَّق بهذه المسألة الأكل والشرب قبل أذان المغرب لعدم اعتبار التقاويم العصرية، والاعتماد على النظر من أي شخص في أي مكان سواء أكان على جبل، أو في وادي، وهكذا. قال الحافظ ابن حجر(1): ((سقوط قرص الشمس يدخل به وقت المغرب، ولا يخفى أن محلَّه ما إذا كان لا يحول بين رؤيتها غاربة وبين الرائي حائل)): أي من جبل أو عمران أو غيرهما، وهذا إنما يتم في الصحراء لا في العمران(2).
وبهذا يتبين أن معرفة طلوع الفجر ومغيب الشمس يدركه الخواص ممن تمرسوا ذلك وتعلموه، كما أنه يحتاج إلى صحراء لا جبل ولا عمران فيها أو إلى بحر حتى يكون الأفق غير محجوب أمام الرائي، وهذا الأمر غير متيسر لعامة المسلمين؛ لذلك قامت الجهات المختصة بتكوين لجان من أهل الاختصاص في ضبط الأوقات وإخراج التقاويم (الروزنامات) في تحديد أوقات الصلاة والعبادة، وينبغي للمؤمنين الاعتماد عليها؛ لأنه الأسلم لهم في عدم حصول فوضى وإرباك لدى العوام في عبادتهم وتشكيكهم في أحكام دينهم.
وهذا لأن المقصود بالغروب أي الحسي وهو زمان غيبوبة تمام حمرة الشمس بحيث تظهر الظلمة في جهة الشرق لا الحقيقي؛ لأنه لا يمكن تحقيقه إلا للأفراد(3)، والأدلة متظافرة على هذا، ومنها:
عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم))(4)، قال العلامة الحصكفي(5): ((أي إذا وجد الظلمة حساً في جهته فقد دخل وقت الفطر أو صار مفطراً)).
__________
(1) في ((فتح الباري))(2: 42).
(2) ينظر: ((نيل الأوطار))(2: 5-6)، وغيره.
(3) ينظر: ((مجمع الأنهر))(1: 230)، و((الدر المنتقى))(2: 230)، وغيرهما.
(4) في ((صحيح البخاري))(2: 691)، واللفظ له، و((صحيح مسلم))(2: 772)، وغيرهما.
(5) في ((الدر المنتقى))(2: 230).

قوله – جل جلاله -: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} البقرة: 187؛ إذ جعل الليل غاية الصيام بأن يكون إلى بداية الليل، ولم يدخل الصيام في الليل(1).
عن سلمة – رضي الله عنه -: ((كنا نُصلِّي مع النبي – صلى الله عليه وسلم – المغرب إذا توارت بالحجاب))(2)، قال العلامة الزَّبيدي(3): ((الحجاب هنا الأفق، يريد غابت الشمس في الأفق واستترت به، ومنه قوله – جل جلاله -: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} ص: 32 )).
عن أبي بصرة الغفاري – رضي الله عنه – قال: ((صلَّى بنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – العصر بالمخمص، فقال: إن هذه الصلاة عرضت على مَن كان قبلكم فضيعوها فمَن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد والشاهد النجم))(4)، قال العلامة السندي(5): ((حتى يطلع الشاهد: كناية عن غروب الشمس؛ لأن بغروبها يظهر الشاهد)).
__________
(1) ينظر: أحكام القرآن للجصاص 1: 320، وغيره.
(2) في ((صحيح البخاري))(1: 205)، و((مسند أبي عوانة))(1: 301)، و((سنن ابن ماجة))(1: 225)، وغيرها.
(3) في ((تاج العروس شرح القاموس))(2: 240).
(4) في ((صحيح مسلم))(1: 568)، و((المسند المستخرج))(2: 423)، و((مسند أبي عوانة))(1: 300).

وإن تعجيل الإفطار قبل الغروب يبطل الصوم، وينال فاعله الوعيد الشديد كما أخبر المصطفى – صلى الله عليه وسلم -: ((بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلاً وعراً فقالا لي: اصعد حتى إذا كنت في سواء الجبل، فإذا أنا بصوت شديد فقلت: ما هذه الأصوات قال: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دماً فقلت: من هؤلاء فقيل: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم))(1)، قال الإمام المُنذري(2): ((معناه يفطرون قبل وقت الإفطار)).
وتحصّل بما سبق أن يحرم الأكل والشرب أثناء أذان الفجر، وقبل أذان المغرب، وأنه ينبغي التعويل على التقاويم العصرية؛ لوقوع الظنّ الغالب بها أكثر من الأفراد لا سيما غير المختصين بهذا الشأن، ولما فيه من التيسر والتسهيل على المسلمين، ورفع الفوضى والاضطراب في معرفة أوقات الأذان، ودفع النزاع بين العوام والخواص.
وأن حديث: ((إذا سمع أحدكم النداء….)) غير محمول على ظاهره إن صحّ، فلا ينبغي للخواص والعوام الإفتاء بظاهره لمخالفته إجماع الفقهاء كما سبق. وأنه لا يتحصل تحقق معرفة غروب الشمس إلا لمَن كان في صحراء أو شاطئ بحر، بحيث لا يحول بينه وبينها حائل. والله الموفق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين وصحبه وسلم يارب العالمين.
__________
(1) في ((صحيح ابن حبان))(16: 536)، و((المستدرك))(1: 595)، و((سنن النسائي))(2: 246)، وغيرها.
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى